مستقل بنفسه في المنع عن الأيمان الكاذبة، وذلك لأن اللفظ عام والروايات الكثيرة دلت على أنها إنما نزلت في أقوام أقدموا على الأيمان الكاذبة، وإذا كان كذلك وجب اعتقاد كون هذا الوعيد عاما في حق كل من يفعل هذا الفعل وأنه غير مخصوص باليهود.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: اختلفت الروايات في سبب النزول، فمنهم من خصها باليهود الذين شرح الله أحوالهم في الآيات المتقدمة، ومنهم من خصها بغيرهم.
أما الأول ففيه وجهان الأول: قال عكرمة إنها نزلت في أحبار اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا بأنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا، واحتج هؤلاء بقوله تعالى في سورة البقرة * (وأوفوا بعهدي أوف بعدكم) * (البقرة: 40) الثاني: أنها نزلت في ادعائهم أنه * (ليس علينا في الأميين سبيل) * (آل عمران: 75) كتبوا بأيديهم كتابا في ذلك وحلفوا أنه من عند الله وهو قول الحسن.
وأما الاحتمال الثاني: ففيه وجوه الأول: أنها نزلت في الأشعث بن قيس، وخصم له في أرض، اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للرجل: " أقم بينتك " فقال الرجل: ليس لي بينة فقال للأشعث " فعليك اليمين " فهم الأشعث باليمين فأنزل الله تعالى هذه الآية فنكل الأشعث عن اليمين ورد الأرض إلى الخصم واعترف بالحق، وهو قول ابن جريج الثاني: قال مجاهد: نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة في تنفيق سلعته الثالث: نزلت في عبدان وامرئ القيس اختصما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أرض، فتوجه اليمين على امرئ القيس، فقال: أنظرني إلى الغد، ثم جاء من الغد وأقر له بالأرض، والأقرب الحمل على الكل.
فقوله: * (إن الذين يشترون بعهد الله) * يدخل فيه جميع ما أمر الله به ويدخل فيه ما نصب عليه الأدلة ويدخل فيه المواثيق المأخوذة من جهة الرسول، ويدخل فيه ما يلزم الرجل نفسه، لأن كل ذلك من عهد الله الذي يلزم الوفاء به.
قال تعالى: * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن) * (التوبة: 75) الآية وقال: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * (الإسراء: 34) وقال: * (يوفون بالنذر) * (الإنسان: 7) وقال: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * (الأحزاب: 23) وقد ذكرنا في سورة البقرة معنى الشراء، وذلك لأن المشتري يأخذ شيئا ويعطي شيئا فكل واحد من المعطى والمأخوذ ثمن للآخر، وأما الأيمان فحالها معلوم وهي الحلف التي يؤكد بها الإنسان خبره من وعد، أو وعيد، أو إنكار، أو إثبات.
ثم قال تعالى: * (أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة