الناس، وكانت تكسب عليه ما تطعمه وتسقيه قال وهب بن منبه: فحدثت أنها التمست له يوما من الأيام تطعمه، فما وجدت شيئا حتى جزت قرنا من رأسها فباعته برغيف، فأتته به فعشته إياه، فلبث في ذلك البلاء تلك السنين، حتى إن كان المار ليمر فيقول: لو كان لهذا عند الله خير لأراحه مما هو فيه حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، قال: وكان وهب بن منبه يقول: لبث في ذلك البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما واحدا فلما غلبه أيوب فلم يستطع منه شيئا، اعترض لامرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والطول على مركب ليس من مراكب الناس، له عظم وبهاء وجمال ليس لها، فقال لها: أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلي؟ قالت نعم. قال: هل تعرفينني؟
قالت لا. قال: فأنا إله الأرض وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت، وذلك أنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني، ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه عليك كل ما كان لكما من مال وولد، فإنه عندي ثم أراها إياهم فيما ترى ببطن الوادي الذي لقيها فيه. قال: وقد سمعت أنه إنما قال: لو أن صاحبك أكل طعاما ولم يسم عليه لعوفي مما به من البلاء، والله أعلم. وأراد عدو الله أن يأتيه من قبلها. فرجعت إلى أيوب، فأخبرته بما قال لها وما أراها قال: أو قد أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك؟ ثم أقسم إن الله عافاه ليضربنها مئة ضربة فلما طال عليه البلاء، جاءه أولئك النفر الذين كانوا معه قد آمنوا به وصدقوه، معهم فتى حديث السن قد كان آمن به وصدقه، فجلسوا إلى أيوب ونظروا إلى ما به من البلاء، فأعظموا ذلك وفظعوا به، وبلغ من أيوب صلوات الله عليه مجهوده، وذلك حين أراد الله أن يفرج عنه ما به فلما رأى أيوب ما أعظموا مما أصابه، قال: أي رب لأي شئ خلقتني ولو كنت إذ قضيت علي البلاء تركتني فلم تخلقني؟ ليتني كنت دما ألقتني أمي. ثم ذكر نحو حديث ابن عسكر، عن إسماعيل بن عبد الكريم، إلى: وكابدوا الليل، واعتزلوا الفرش، وانتظروا الأسحار ثم زاد فيه: أولئك الآمنون الذي لا يخافون، ولا يهتمون ولا يحزنون، فأين عاقبة أمرك يا أيوب من عواقبهم؟
قال فتى حضرهم وسمع قولهم ولم يفطنوا له ولم يأبهوا لمجلسه، وإنما قيضه الله لهم لما كان من جورهم في المنطق وشططهم، فأراد الله أن يصغر به إليهم أنفسهم وأن يسفه بصغره لهم أحلامهم فلما تكلم تمادى في الكلام، فلم يزدد إلا حكما. وكان القوم من شأنهم الاستماع والخشوع إذا وعظوا أو ذكروا فقال: إنكم تكلمتم قبلي أيها الكهول، وكنتم أحق بالكلام وأولى به مني لحق أسنانكم، ولأنكم جربتم قبلي ورأيتم وعلمتم ما لم أعلم وعرفتم ما لم أعرف، ومع ذلك قد تركتم من القول أحسن من الذي قلتم ومن الرأي