بغيتم وتعززتم، ولو نظرتم فيما بينكم وبين ربكم ثم صدقتم أنفسكم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله بالعافية التي ألبسكم ولكني قد أصبحت اليوم وليس لي رأي ولا كلام معكم، قد كنت فيما خلا مسموعا كلامي معروفا حقي منتصفا من خصمي قاهرا لمن هو اليوم يقهرني مهيبا مكاني والرجال مع ذلك ينصتون لي ويوقروني، فأصبحت اليوم قد انقطع رجائي ورفع حذري وملني أهلي وعقني أرحامي وتنكرت لي معارفي ورغب عني صديقي وقطعني أصحابي وكفرني أهل بيتي وجحدت حقوقي ونسيت صنائعي، أصرخ فلا يصرخونني وأعتذر فلا يعذرونني، وإن قضاءه هو الذي أذلني وأقمأني وأخسأني، وإن سلطانه هو الذي أسقمني وأنحل جسمي. ولو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري وأطلق لساني حتى أتكلم بملء ء فمي، ثم كان ينبغي للعبد أن يحاج عن نفسه، لرجوت أن يعافيني عند ذلك مما بي ولكنه ألقاني وتعالى عني، فهو يراني ولا أراه، ويسمعني ولا أسمعه لا نظر إلي فرحمني، ولا دنا مني ولا أدناني فأدلي بعذري وأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي لما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده، أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب، ثم نودي منه، ثم قيل له: يا أيوب، إن الله يقول: ها أنا ذا قد دنوت منك، ولم أزل منك قريبا، فقم فأدل بعذرك الذي زعمت، وتكلم ببراءتك وخاصم عن نفسك، واشدد إزارك ثم ذكر نحو حديث ابن عسكر، عن إسماعيل، إلى آخره، وزاد فيه: ورحمتي سبقت غضبي، فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك، وقد وهبت لك أهلك ومثلهم معهم ومالك ومثله معه وزعموا: ومثله معه لتكون لمن خلفك آية، ولتكون عبرة لأهل البلاء وعزاء للصابرين فركض برجله، فانفجرت له عين، فدخل فيها فاغتسل، فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء. ثم خرج فجلس، وأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه، فلم تجده، فقامت كالوالهة متلددة، ثم قالت: يا عبد الله، هل لك علم بالرجل المبتلي الذي كان ههنا؟ قال:
لا ثم تبسم، فعرفته بمضحكه، فاعتنقته.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه، قال: فحدثت عبد الله بن عباس حديثه واعتناقها إياه، فقال عبد الله: فوالذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى مر بهما كل مال لهما وولد.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وقد سمعت بعض من يذكر الحديث عنه أنه دعاها حين سألت عنه، فقال لها: وهل تعرفينه إذا رأيته؟ قالت:
نعم، ومالي لا أعرفه؟ فتبسم، ثم قال: ها أنا هو، وقد فرج الله عني ما كنت فيه. فعند ذلك