* (ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب) *.
يقول تعالى ذكر مسليا نبيه في تكذيب مشركي قومه إياه فيما أتاهم به من عند الله بفعل بني إسرائيل بموسى فيما أتاهم به من عند الله، يقول له تعالى ذكره: ولا يحزنك يا محمد تكذيب هؤلاء المشركين لك، وامض لما أمرك به ربك من تبليغ رسالته، فان الذي يفعل بك هؤلاء من رد ما جئتهم به عليك من النصيحة من فعل ضربائهم من الأمم قبلهم وسنة من سننهم. ثم أخبره جل ثناؤه بما فعل قوم موسى به، فقال: ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة، كما آتيناك الفرقان، فاختلف في ذلك الكتاب قوم موسى فكذب به بعضهم وصدق به بعضهم، كما قد فعل قومك بالفرقان من تصديق بعض به وتكذيب بعض. ولولا كلمة سبقت من ربك يقول تعالى ذكره: ولولا كلمة سبقت يا محمد من ربك بأنه لا يعجل على خلقه بالعذاب، ولكن يتأنى حتى يبلغ الكتاب أجله لقضي بينهم يقول: لقضي بين المكذب منهم به والمصدق بإهلاك الله المكذب به منهم وإنجائه المصدق به. وإنهم لفي شك منه مريب يقول: وإن المكذبين به منهم لفي شك من حقيقته أنه من عند الله مريب، يقول: يريبهم فلا يدرون أحق هو أم باطل، ولكنهم فيه ممترون. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير) *.
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته جماعة من قراء أهل المدينة والكوفة: وإن مشددة كلا لما مشددة.
واختلفت أهل العربية في معن ذلك، فقال بعض نحويي الكوفيين: معناه إذا قرئ كذلك وإن كلا لمما ليوفيه ربك أعمالهم، ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة فبقيت ثنتان، فأدغمت واحدة في الأخرى، كما قال الشاعر:
وإني لما أصدر الامر وجهه * إذا هو أعيا بالنبيل مصادره