* (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) *.
وهذا الخبر من الله يدل على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه، وتوعدته بالسجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك لأنها لو لم تكن عاودته وتوعدته بذلك، كان محالا أن يقول: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وهو لا يدعى إلى شئ ولا يخوف بحبس. والسجن هو الحبس نفسه، وهو بيت الحبس. وبكسر السين قرأه قراء الأمصار كلها، والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال فتقول: طلعت الشمس مطلعا، وغربت مغربا، فيجعلونها وهي أسماء خلفا من المصادر، فكذلك السجن، فإذا فتحت السين من السجن كان مصدرا صحيحا. وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرؤه: السجن أحب إلي بفتح السين. ولا أستجيز القراءة بذلك لاجماع الحجة من القراء على خلافها. وتأويل الكلام:
قال يوسف: يا رب الحبس في السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من معصيتك ويراودنني عليه من الفاحشة. كما:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه: من الزنا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف، وأضاف إلى ربه واستعانه على منزل به: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه: أي السجن أحب إلي من أن آتي ما تكره.
وقوله: وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن يقول: وإن لم تدفع عني يا رب فعلهن الذي يفعلن بي في مراودتهن إياي على أنفسهن أصب إليهن، يقول: أميل إليهن، وأتابعهن على ما يردن مني، ويهوين من قول القائل: صبا فلان إلى كذا ومنه قول الشاعر:
إلى هند صبا قلبي * وهند مثلها يصبي