* (قالوا يلوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) *.
يقول تعالى ذكره: قالت الملائكة للوط لما قال لوط لقومه لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ورأوا ما لقي من الكرب بسببهم منهم: يا لوط إنا رسل ربك أرسلنا لاهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهون عليك الامر، فأسر بأهلك بقطع من الليل يقول: فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل، يقال منه: أسرى وسرى، وذلك إذا سار بليل. ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك.
واختلفت القراءة في قراءة قوله: فأسر فقرأ ذلك عامة قراء المكيين والمدنيين:
فاسر وصل بغير همز الألف من سرى. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة: فأسر بهمز الألف من أسرى والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، وهما لغتان مشهورتان في العرب معناهما واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في ذلك.
وأما قوله: إلا امرأتك فإن عامة القراء من الحجاز والكوفة، وبعض أهل البصرة، قرأوا بالنصب إلا امرأتك بتأويل: فأسر بأهلك إلا امرأتك، وعلى أن لوطا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته، فإنه نهي أن يسري بها، وأمر بتخليفها مع قومها. وقرأ ذلك بعض البصريين: إلا امرأتك رفعا، بمعنى: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، فإن لوطا قد أخرجها معه، وإنه نهى لوط ومن معه ممن أسرى معه أن يلتفت سوى زوجته، وإنها التفتت فهلكت لذلك.
وقوله: إنه مصيبها ما أصابهم يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب. إن موعدهم الصبح يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح. فاستبطأ ذلك منهم لوط، وقال لهم: بلى عجلوا لهم الهلاك فقالوا: أليس الصبح بقريب: أي عند الصبح نزول العذاب بهم. كما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: أليس الصبح بقريب: أي إنما ينزل بهم من صبح ليلتك هذه، فامض لما تؤمر.