والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب.
فإن قال قائل: وكيف قيل: سعدوا فيما لم يسم فاعله، ولم يقل: أسعدوا، وأنت لا تقول في الخبر فيما سمى فاعله سعده الله، بل إنما تقول: أسعده الله؟ قيل: ذلك نظير قولهم: هو مجنون محبوب فيما لم يسم فاعله، فإذا سموا فاعله، قيل: أجنه الله وأحبه، والعرب تفعل ذلك كثيرا. وقد بينا بعض ذلك فيما مضى من كتابنا هذا.
وتأويل ذلك: وأما الذين سعدوا برحمة الله، فهم في الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، يقول: أبدا، إلا ما شاء ربك. فاختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: إلا ما شاء ربك من قدر ما مكثوا في النار قبل دخولهم الجنة، قالوا: وذلك فيمن أخرج من النار من المؤمنين فأدخل الجنة. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الضحاك، في قوله: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، إلا ما شاء ربك قال: هو أيضا في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة، يقول: خالدين في الجنة ما دامت السماوات والأرض، إلا ما شاء ربك يقول: إلا ما مكثوا في النار حتى أدخلوا الجنة.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما شاء ربك من الزيادة على قدر مدة دوام السماوات والأرض، قالوا: وذلك هو الخلود فيها أبدا. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن أبي مالك، يعني ثعلبة، عن أبي سنان: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك قال: ومشيئته خلودهم فيها، ثم أتبعها فقال: عطاء غير مجذوذ.
واختلف أهل العربية في وجه الاستثناء في هذا الموضع، فقال بعضهم في ذلك معنيان: أحدهما أن تجعله استثناء يستثنيه ولا يفعله، كقولك: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وعزمك على ضربه، قال: فكذلك قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ولا يشاؤه. قال: والقول الآخر: أن العرب إذا استثنت شيئا