وأما الكوفي منهما فإنه قرأه بتأويل الخفض فيما ذكر عنه، غير أنه نصبه لأنه لا يجرى. وقد أنكر ذلك أهل العلم بالعربية من أجل دخول الصفة بين حرف العطف والاسم، وقالوا: خطأ أن يقال: مررت بعمرو في الدار وفي الدار زيد، وأنت عاطف بزيد على عمرو، إلا بتكرير الباء وإعادتها، فإن لم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع وجاز النصب، فإن قدم الاسم على الصفة جاز حينئذ الخفض، وذلك إذا قلت: مررت بعمرو في الدار وزيد في البيت. وقد أجاز الخفض والصفة معترضة بين حرف العطف والاسم بعض نحويي البصرة.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه رفعا، لان ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، والذي لا يتناكره أهل العلم بالعربية، وما عليه قراءة الأمصار.
فأما النصب فيه فإن له وجها، غير أني لا أحب القراءة به، لان كتاب الله نزل بأفصح ألسن العرب، والذي هو أولى بالعلم بالذي نزل به من الفصاحة. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قالت يا ويلتي ألد وأنا عجوز وهذا قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) *.
يقول تعالى ذكره: قالت سارة لما بشرت بإسحاق أنها تلد تعجبا مما قيل لها من ذلك، إذ كانت قد بلغت السن التي لا يلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء، وقيل: إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة وإبراهيم ابن مئة سنة، وقد ذكرت الرواية فيما روى في ذلك عن مجاهد قبل.
وأما ابن إسحاق، فإنه قال في ذلك ما:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كانت سارة يوم بشرت بإسحاق فيما ذكر لي بعض أهل العلم ابنة تسعين سنة، وإبراهيم ابن عشرين ومئة سنة.
يا ويلتا وهي كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشئ والاستنكار للشئ، فيقولون عند التعجب: ويل أمه رجلا ما أرجله.