كثيرا مع مثله ومع ما هو أكثر منه كان معنى إلا ومعنى الواو سوى فمن ذلك قوله:
خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء الله من زيادة الخلود، فيجعل إلا مكان سوى فيصلح، وكأنه قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد. ومثله في الكلام أن تقول: لي عليك ألف إلا الألفين اللذين قبله. قال: وهذا أحب الوجهين إلي لان الله لا يخلف وعده. وقد وصل الاستثناء بقوله: عطاء غير مجذوذ فدل على أن الاستثناء لهم بقوله في الخلود غير منقطع عنهم.
وقال آخر منهم بنحو هذا القول، وقالوا: جائز فيه وجه ثالث، وهو أن يكون استثنى من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث وهو البرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنة. ثم هو خلود الأبد، يقول: فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ.
وقال آخر منهم: جائز أن يكون دوام السماوات والأرض بمعنى الأبد على ما تعرف العرب وتستعمل وتستثنى المشيئة من داومها لان أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماوات والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء، والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، القول الذي ذكرته عن الضحاك، وهو وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من قدر مكثهم في النار، من لدن دخلوها إلى أن أدخلوا الجنة، وتكون الآية معناها الخصوص لان الأشهر من كلام العرب في إلا توجيهها إلى معنى الاستثناء وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها إلا أن يكون معها دلالة تدل على خلاف ذلك، ولا دلالة في الكلام، أعني في قوله: إلا ما شاء ربك تدل على أن معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام فيوجه إليه.
وأما قوله: عطاء غير مجذوذ فإنه يعني عطاء من الله غير مقطوع عنهم، من قولهم: جذذت الشئ أجذه جذا: إذا قطعته، كما قال النابغة:
تجذ السلوقي المضاعف نسجه * ويوقدن بالصفاح نار الحباحب