البلاغ والانذار. والله على كل شئ وكيل يقول: والله القيم بكل شئ وبيده تدبيره، فانفذ لما أمرتك به، ولا يمنعك مسألتهم إياك الآيات من تبليغهم وحيي والنفوذ لأمري.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: قال الله لنبيه: فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك أن تفعل فيه ما أمرت وتدعو إليه كما أرسلت، قالوا: لولا أنزل عليه كنز لا نرى معه مالا، أين المال؟ أو جاء معه ملك ينذر معه، إنما أنت نذير فبلغ ما أمرت. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) * يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): كفاك حجة على حقيقة ما أتيتهم به ودلالة على صحة نبوتك هذا القرآن من سائر الآيات غيره، إذ كانت الآيات إنما تكون لمن أعطيها دلالة على صدقه، لعجز جميع الخلق عن أن يأتوا بمثلها، وهذا القرآن جميع الخلق عجزة عن أن يأتوا بمثله. فإن هم قالوا: افتريته: أي اختلقته وتكذبته. ودل على أن معنى الكلام ما ذكرنا قوله: أم يقولون افتراه.... إلى آخر الآية. ويعني تعالى ذكره بقوله: أم يقولون افتراه أي أيقولون افتراه وقد دللنا على سبب إدخال العرب أم في مثل هذا الموضع فقل لهم: يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفتريات، يعني مفتعلات مختلفات، إن كان ما أتيتكم به من هذا القرآن مفترى وليس بآية معجزة كسائر ما سألته من الآيات، كالكنز الذي قلتم: هلا أنزل عليه أو الملك الذي قلتم: هلا جاء معه نذيرا له مصدقا فإنكم قومي وأنتم من أهل لساني، وأنا رجل منكم، ومحال أن أقدر أخلق وحدي مئة سورة وأربع عشرة سورة، ولا تقدروا بأجمعكم أن تفتروا وتختلقوا عشر سور مثلها، ولا سيما إذا استعنتم في ذلك بمن شئتم من الخلق. يقول جل ثناؤه: قل لهم: وادعوا من استطعتم أن تدعوهم من دون الله، يعني سوى الله، لافتراء ذلك واختلاقه من الآلهة، فإن أنتم لم تقدروا على أن تفتروا عشر سور مثله، فقد تبين لكم أنكم كذبة في قولكم افتراه، وصحت عندكم حقيقة ما أتيتكم به أنه من عند الله، ولم يكن لكم أن تتخيروا الآيات على