حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك فقرأ حتى بلغ: عطاء غير مجذوذ قال: وأخبرنا بالذي يشاء لأهل الجنة، فقال: عطاء غير مجذوذ، ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار.
وأولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب، القول الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك، من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر أنه يدخلهم النار، خالدين فيها أبدا إلا ما شاء من تركهم فيها أقل من ذلك، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة، كما قد بينا في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصحة في ذلك لان الله جل ثناؤه أوعد أهل الشرك به الخلود في النار، وتظاهرت بذلك الاخبار عن رسول الله (ص)، فغير جائز أن يكون استثناء في أهل الشرك، وأن الاخبار قد تواترت عن رسول الله (ص) أن الله يدخل قوما من أهل الايمان به بذنوب أصابوها النار ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة فغير جائز أن يكون ذلك استثناء أهل التوحيد قبل دخولها مع صحة الاخبار عن رسول الله (ص) بما ذكرنا، وأنا إن جعلناه استثناء في ذلك كنا قد دخلنا في قول من يقول: لا يدخل الجنة فاسق ولا النار مؤمن، وذلك خلاف مذاهب أهل العلم وما جاءت به الاخبار عن رسول الله (ص). فإذا فسد هذان الوجهان فلا قول قال به القدوة من أهل العلم إلا الثالث. ولأهل العربية في ذلك مذهب غير ذلك سنذكره بعد، ونبينه إن شاء الله تعالى.
وقوله: إن ربك فعال لما يريد يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد لا يمنعه مانع من فعل ما أراد فعله بمن عصاه وخالف أمره من الانتقام منه، ولكنه يفعل ما يشاء، فيمضي فعله فيهم وفيمن شاء من خلقه فعله وقضاءه.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) *.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والحجاز والبصرة وبضع الكوفيين: وأما الذين سعدوا بفتح السين، وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفة: وأما الذين سعدوا بضم السين، بمعنى: رزقوا السعادة.