ويحسن إلى من احتاج في شئ، وإنما يقال للرجل: نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم، وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم لا بغيره؟
قيل: إن وجه ذلك أنهما قالا له: نبئنا بتأويل رؤيانا محسنا إلينا في إخبارك إيانا بذلك، كما نراك تحسن في سائر أفعالك، إنا نراك من المحسنين. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون) *.
يقول تعالى ذكره: قال يوسف للفتيين اللذين استعبراه الرؤيا: لا يأتيكما أيها الفتيان في منامكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله في يقظتكما قبل أن يأتيكما.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي، قال: قال يوسف لهما: لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم إلا نبأتكما بتأويله في اليقظة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف لهما: لا يأتيكما طعام ترزقانه يقول: في نومكما إلا نبأتكما بتأويله.
ويعني بقوله بتأويله: ما يئول إليه ويصير ما رأيا في منامهما من الطعام الذي رأيا أنه أتاهما فيه.
وقوله ذلكما مما علمني ربي يقول: هذا الذي أذكر أني أعلمه من تعبير الرؤيا مما علمني ربي فعلمته. إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وجاء الخبر مبتدأ: أي تركت ملة قوم، والمعنى: ما ملت. وإنما ابتدأ بذلك لان في الابتداء الدليل على معناه وقوله: إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله يقول: إني برئت من ملة من لا يصدق بالله، ويقر بوحدانيته. وهم بالآخرة هم كافرون يقول: وهم مع تركهم الايمان بوحدانية الله لا يقرون بالمعاد والبعث ولا بثواب ولا عقاب. وكررت هم مرتين، فقيل: وهم بالآخرة هم كافرون لما دخل بينهما قوله: بالآخرة فصارت هم الأولى كالملغاة،