وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله بادي الرأي قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجا، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قوله: وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي قال: فيما ظهر لنا. القول في تأويل قوله تعالى:
* (قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) *.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه إذ كذبوه وردوا عليه ما جاءهم به من عند الله من النصيحة: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي على علم ومعرفة وبيان من الله لي ما يلزمني له، ويجب علي من إخلاص العبادة له وترك إشراك الأوثان معه فيها. وآتاني رحمة من عنده يقول: ورزقني منه التوفيق والنبوة والحكمة، فآمنت به وأطعته فيما أمرني ونهاني. فعميت عليكم.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض أهل البصرة والكوفة: فعميت بفتح العين وتخفيف الميم، بمعنى: فعميت الرحمة عليكم فلم تهتدوا لها فتقروا بها وتصدقوا رسولكم عليها. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: فعميت عليكم بضم العين وتشديد الميم، اعتبارا منهم ذلك بقراءة عبد الله، وذلك أنهما فيما ذكر في قراءة عبد الله: فعماها عليكم.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: فعميت عليكم بضم العين وتشديد الميم للذي ذكروا من العلة لمن قرأ به، ولقربه من قوله: أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فأضاف الرحمة إلى الله، فكذلك تعميته على الآخرين بالإضافة إليه أولى. وهذه الكلمة مما حولت العرب الفعل عن موضعه، وذلك أن الانسان هو الذي يعمى عن إبصار الحق، إذ يعمى عن إبصاره، والحق لا يوصف بالعمى إلا على الاستعمال الذي قد جرى به الكلام، وهو في جوازه لاستعمال العرب إياه نظير قولهم: دخل الخاتم في يدي، والخف في رجلي، ومعلوم أن الرجل هي التي تدخل في الخف، والإصبع في الخاتم، ولكنهم استعملوا ذلك كذلك لما كان معلوما المراد فيه.
وقوله: أنلزمكموها وأنتم لها كارهون يقول: أنأخذكم بالدخول في الاسلام وقد