ينبغي لها أن تدخل، لأنه قد قال: فلهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون بكذبهم في غير موضع من التنزيل أدخلت فيه الباء، وسقوطها جائز في الكلام كقولك في الكلام: لاحن بما فيك ما علمت وبما علمت، وهذا قول قاله بعض أهل العربية.
والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله ابن عباس وقتادة، من أن الله وصفهم تعالى ذكره بأنهم لا يستطيعون أيسمعوا الحق سماع منتفع، ولا يبصرونه إبصار مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين، عن استعمال جوارحهم في طاعة الله، وقد كانت لهم أسماع وأبصار. القول في تأويل قوله تعالى:
* (أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) *.
يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم، هم الذين غبنوا أنفسهم حظوظها من رحمة الله. وضل عنهم ما كانوا يفترون وبطل كذبهم وإفكهم وفريتهم على الله بادعائهم له شركاء، فسلك ما كانوا يدعونه إلها من دون الله غير مسلكهم، وأخذ طريقا غير طريقهم، فضل عنهم، لأنه سلك بهم إلى جهنم، وصارت آلتهم عدما لا شئ، لأنها كانت في الدنيا حجارة أو خشبا أو نحاسا، أو كان لله وليا، فسلك به إلى الجنة، وذلك أيضا غير مسلكهم، وذلك أيضا ضلال عنهم. القول في تأويل قوله تعالى:
* (لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون) *.
يقول تعالى ذكره: حقا أن هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم في الدنيا في الآخرة هم الأخسرون، الذين قد باعوا منازلهم من الجنان بمنازل أهل الجنة من النار وذلك هو الخسران المبين. وقد بينا فيما مضى أن معنى قولهم، جرمت: كسبت الذنب وأجرمته، أن العرب كثر استعمالها إياه في مواضع الايمان، وفي مواضع لا بد كقولهم: لا جرم أنك ذاهب، بمعنى: لا بد، حتى استعملوا ذلك في مواضع التحقيق فقالوا: لا جرم ليقومن، بمعنى: حقا ليقومن، فمعنى الكلام: لا منع عن أنهم، ولا صد عن أنهم. القول في تأويل قوله تعالى: