قال أبو جعفر: وهذه الأقوال متقاربة المعاني وإن اختلفت ألفاظها، لان الإنابة إلى الله من خوف الله، ومن الخشوع والتواضع لله بالطاعة، والطمأنينة إليه من الخشوع له، غير أن نفس الاخبات عند العرب الخشوع والتواضع. وقال: إلى ربهم ومعناه: أخبتوا لربهم، وذلك أن العرب تضع اللام موضع إلى وإلى موضع اللام كثيرا، كما قال تعالى: بأن ربك أوحى لها بمعنى: أوحى إليها. وقد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك، لأنهم وصفوا بأنهم عمدوا بإخباتهم إلى الله.
وقوله: أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون يقول: هؤلاء الذين هذه صفتهم هم سكان الجنة الذين لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها، ولكنهم فيها لابثون إلى غير نهاية. القول في تأويل قوله تعالى:
* (مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون) *.
يقول تعالى ذكره: مثل فريقي الكفر والايمان كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئا، والأصم الذي لا يسمع شيئا فكذلك فريق الكفر لا يبصر الحق فيتبعه ويعمل به، لشغله بكفره بالله وغلبة خذلان الله عليه، لا يسمع داعي الله إلى الرشاد فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به، فهو مقيم في ضلالته، يتردد في حيرته. والسميع والبصير، فكذلك فريق الايمان أبصر حجج الله، وأقر بما دلت عليه من توحيد الله والبراءة من الآلهة والأنداد ونبوة الأنبياء عليهم السلام، وسمع داعي الله فأجابه وعمل بطاعة الله. كما:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال:
قال ابن عباس: مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع قال: الأعمى والأصم: الكافر، والبصير والسميع: المؤمن.
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع: الفريقان الكافران، والمؤمنان، فأما الأعمى والأصم فالكافران، وأما البصير والسميع فهما المؤمنان.