ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه، أن لا تعبدوا إلا الله، وقل لهم إني لكم نذير مبين. ومن فتحها، رد أن في قوله: أن لا تعبدوا عليها، فيكون المعنى حينئذ: لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين، بأن لا تعبدوا إلا الله. ويعني بقوله: بأن لا تعبدوا إلا الله أيها الناس، عبادة الآلهة والأوثان وإشراكها في عبادته، وأفردوا الله بالتوحيد وأخلصوا له العبادة، فإنه لا شريك له في خلقه. وقوله: إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم يقول:
إني أيها القوم إن لم تخصوا الله بالعبادة وتفردوه بالتوحيد وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان، أخاف عليكم من الله عذاب يوم مؤلم عقابه وعذابه لمن عذب فيه. وجعل الأليم من صفة اليوم وهو من صفة العذاب، إذ كان العذاب فيه كما قيل: وجعل الليل سكنا وإنما السكن من صفة ما سكن فيه دون الليل. القول في تأويل قوله تعالى:
* (فقال الملا الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) *.
يقول تعالى ذكره: فقال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم، وهم الملا الذين كفروا بالله وجحدوا نبوة نبيهم نوح عليه السلام: ما نراك يا نوح إلا بشرا مثلنا يعنون بذلك أنه آدمي مثلهم في الخلق والصورة والجنس، كأنهم كانوا منكرين أن يكون الله يرسل من البشر رسولا إلى خلقه. وقوله: وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي يقول: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سفلتنا من الناس دون الكبراء والاشراف فيما يرى ويظهر لنا.
وقوله: بادي الرأي اختلفت القراء في قراءته، فقرأته عامة قراء المدينة والعراق: بادي الرأي بغير همز البادي وبهمز الرأي، بمعنى: ظاهر الرأي، من قولهم: بدا الشئ يبدو: إذا ظهر، كما قال الراجز:
أضحى لخالي شبهي بادي بدي وصار للفحل لساني ويدي