وقال آخرون: بل كانوا ثمانين نفسا. ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس: حمل نوح معه في السفينة ثمانين إنسانا.
حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا سفيان، كان بعضهم يقول: كانوا ثمانين، يعني القليل الذي قال الله: وما آمن معه إلا قليل.
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثني حسين بن واقد الخراساني، قال: ثني أبو نهيك، قال: سمعت ابن عباس يقول:
كان في سفينة نوح ثمانون رجلا، أحدهم جرهم.
والصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله: وما آمن معه إلا قليل يصفهم بأنهم كانوا قليلا، ولم يحدد عددهم بمقدار ولا خبر عن رسول الله (ص) صحيح، فلا ينبغي أن يتجاوز في ذلك حد الله، إذ لم يكن لمبلغ عدد ذلك حد من كتاب الله أو أثر عن رسول الله (ص). القول في تأويل قوله تعالى:
* (وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم) *.
يقول تعالى ذكره: وقال نوح: اركبوا في الفلك بسم الله مجراها ومرساها. وفي الكلام محذوف قد استغني بدلالة ما ذكر من الخبر عليه عنه، وهو قوله: قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل فحملهم نوح فيها وقال لهم: اركبوا فيها. فاستغني بدلالة قوله: وقال اركبوا فيها عن حمله إياهم فيها، فترك ذكره.
واختلفت القراء في قراءة قوله: بسم الله مجراها ومرساها فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: بسم الله مجراها ومرساها بضم الميم في الحرفين كليهما. وإذا قرئ كذلك كان من أجرى وأرسى، وكان فيه وجهان من الاعراب: أحدهما الرفع بمعنى: بسم الله إجراؤها وإرساؤها، فيكون المجرى والمرسى مرفوعين حينئذ بالباء التي في قوله: بسم الله. والآخر بالنصب، بمعنى: بسم الله عند إجرائها وإرسائها، أو وقت إجرائها وإرسائها، فيكون قوله: بسم الله كلاما مكتفيا بنفسه، كقول القائل عند ابتدائه في عمل يعمله: بسم الله، ثم يكون المجرى والمرسى منصوبين على ما نصبت