وأصل الاغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشئ حتى يحسنه عنده غارا له. وقد حكي عن بعض قبائل طي أنها تقول: أصبح فلان غاويا: أي أصبح مريضا. وكان بعضهم يتأول ذلك أنه بمعنى القسم، كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم، كما يقال: بالله لأفعلن كذا. وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة، كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني، أو فبأنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسباب ذلك إليه، وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الايمان هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر وذلك أن ذلك لو كان كما قالوا لكان الخبيث قد قال بقوله: فبما أغويتني: فبما أصلحتني، إذ كان سبب الاغواء، هو سبب الاصلاح، وكان في اخباره عن الاغواء إخبار عن الاصلاح، ولكن لما كان سبباهما مختلفين وكان السبب الذي به غوى وهلك من عند الله أضاف ذلك إليه فقال: فبما أغويتني. وكذلك قال محمد بن كعب القرظي، فيما:
11169 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا أبو مودود، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدرية، لإبليس أعلم بالله منهم.
وأما قوله: لأقعدن لهم صراطك المستقيم فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم صراطك المستقيم، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الاسلام وشرائعه.
وإنما معنى الكلام: لأصدن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني. وذلك كما روي عن سبرة بن الفاكه أنه سمع النبي (ص) يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقة، فقعد له بطريق الاسلام، فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك،