ما إن رأينا مثلهن لمعشر * سود الرؤوس فوالج وفيول فأعاد على الجحد الذي هو ما جحدا، وهو قوله إن فجمعهما للتوكيد.
وقال آخر منهم: ليست لا بحشو في هذا الموضع، ولا صلة، ولكن المنع ههنا بمعنى القول. إنما تأويل الكلام: من قال لك لا تسجد إذا أمرتك بالسجود؟ ولكن دخل في الكلام أن إذا كان المنع بمعنى القول لا في لفظه، كما يفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول، وهو له في اللفظ مخالف كقولهم: ناديت أن لا تقم، وحلفت أن لا تجلس، وما أشبه ذلك من الكلام.
وقال بعض من روى: أبى جوده لا البخل بمعنى: كلمة البخل، لان لا هي كلمة البخل، فكأنه قال: كلمة البخل.
وقال بعضهم: معنى المنع: الحول بين المرء وما يريده، قال: والممنوع مضطر به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه، فيؤثر أحدهما على الآخر فيفعله قال: فلما كانت صفة المنع ذلك، فخوطب إبليس بالمنع، فقيل له:
ما منعك ألا تسجد كان معناه: كأنه قيل له: أي شئ اضطرك إلى أن لا تسجد.
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفا قد كفى دليل الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد؟ فترك ذكر أحوجك استغناء بمعرفة السامعين. قوله: إلا إبليس لم يكن من الساجدين أن ذلك معنى الكلام من ذكره، ثم عمل قولهما منعك في أن ما كان عاملا فيه قبل أحوجك لو ظهر إذ كان قد ناب عنه.
وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شئ لا معنى له، وأن لكل كلمة معنى صحيحا، فتبين بذلك فساد قول من قال لا في الكلام حشو لا معنى لها. وأما قول من قال: معنى المنع ههنا:
القول، فلذلك دخلت لا مع أن، فإن المنع وإن كان قد يكون قولا وفعلا، فليس المعروف في الناس استعمال المنع في الامر بترك الشئ، لان المأمور بترك الفعل إذا كان