فإن كان الامر كما قال: فمدين قبيلة كتميم. وزعم أيضا ابن إسحاق أن شعيبا الذي ذكر الله أنه أرسله إليهم من ولد مدين هذا، وأنه شعيب بن ميكيل بن يشجر، قال: واسمه بالسريانية بثرون.
فتأويل الكلام على ما قاله ابن إسحاق: ولقد أرسلنا إلى ولد مدين أخاهم شعيب بن ميكيل، يدعوهم إلى طاعة الله والانتهاء إلى أمره وترك السعي في الأرض بالفساد والصد عن سبيله، فقال لهم شعيب: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، ما لكم من إله يستوجب عليكم العبادة غير الاله الذي خلقكم وبيده نفعكم وضركم. قد جاءتكم بينة من ربكم يقول: قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقيقة ما أقول وصدق ما أدعوكم إليه. فأوفوا الكيل والميزان يقول: أتموا للناس حقوقهم بالكيل الذي تكيلون به وبالوزن الذي تزنون به. ولا تبخسوا الناس أشياءهم يقول ولا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياها.
ومن ذلك قولهم: تحسبها حمقاء وهي باخسة، بمعنى ظالمة، ومنه قول الله: وشروه بثمن بخس يعني به: ردئ.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11522 - حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: ولا تبخسوا الناس أشياءهم يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم.
11523 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ولا تبخسوا الناس أشياءهم: قال: لا تظلموا الناس أشياءهم.
وقوله: ولا تفسدوا في الأرض يقول: ولا تعملوا في أرض الله بمعاصيه وما كنتم تعملونه قبل أن يبعث الله إليكم نبيه، من عبادة غير الله والاشراك به وبخس الناس في الكيل والوزن. بعد إصلاحها يقول: بعد أن قد أصلح الله الأرض بابتعاث النبي عليه السلام فيكم، ينهاكم عما لا يحل لكم وما يكرهه الله لكم. ذلكم خير لكم يقول: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له وإيفاء الناس حقوقهم من الكيل والوزن وترك الفساد في الأرض، خير لكم في عاجل دنياكم وآجل آخرتكم عند الله