من جهة العربية بعيد وذلك أن العرب لا تنصب اسما بفعل بعد حرف الاستفهام، لا تقول: أخاك أكلمت، وهي تريد: أكلمت أخاك.
والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ بفتح الراء من آزر، على اتباعه إعراب الأب، وأنه في موضع خفض، ففتح إذ لم يكن جاريا لأنه اسم عجمي. وإنما أجيزت قراءة ذلك كذلك لاجماع الحجة من القراء عليه.
وإذ كان ذلك هو الصواب من القراءة وكان غير جائز أن يكون منصوبا بالفعل الذي بعد حرف الاستفهام، صح لك فتحه من أحد وجهين: إما أن يكون اسما لأبي إبراهيم صلوات الله عليه وعلى جميع أنبيائه ورسله، فيكون في موضع خفض ردا على الأب، ولكنه فتح لما ذكرت من أنه لما كان اسما أعجميا ترك إجراؤه، ففتح كما فتح العرب في أسماء العجم. أو يكون نعتا له، فيكون أيضا خفضا بمعنى تكرير اللام عليه، ولكنه لما خرج مخرج أحمر وأسود ترك إجراؤه وفعل له كما يفعل بأشكاله. فيكون تأويل الكلام حينئذ:
وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر: أتتخذ أصناما آلهة؟ وإن لم يكن له وجهة في الصواب إلا أحد هذين الوجهين، فأولى القولين بالصواب منهما عندي، قول من قال: هو اسم أبيه لان الله تعالى أخبر أنه أبوه. وهو القول المحفوظ من قول أهل العلم دون القول الآخر الذي زعم قائله أنه نعت.
فإن قال قائل: فإن أهل الأنساب إنما ينسبون إبراهيم إلى تارح، فكيف يكون آزر اسما له والمعروف به من الاسم تارح؟ قيل له: غير محال أن يكون له اسمان، كما لكثير من الناس في دهرنا هذا، وكان ذلك فيما مضى لكثير منهم. وجائز أن يكون لقبا، والله تعالى أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين.
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل إبراهيم لأبيه آزر أنه قال: أتتخذ أصناما آلهة تعبدها وتتخذها ربا دون الله الذي خلقك فسواك ورزقك والأصنام: جمع صنم، التمثال من حجر أو خشب أو من غير ذلك في صورة انسان، وهو الوثن. وقد يقال للصورة المصورة على صورة الانسان في الحائط غيره: صنم ووثن. إني أراك وقومك في ضلال مبين يقول: إني أراك يا آزر وقومك الذين يعبدون معك الأصنام ويتخذونها آلهة في ضلال يقول: في زوال عن محجة الحق، وعدول عن سبيل الصواب مبين يقول:
يتبين لمن أبصره أنه جور عن قصد السبيل وزوال عن محجة الطريق القويم. يعني بذلك: