كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله تعالى ذكره: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم... الآية.
فهذا يدل على ما قلنا من أن القوم كانوا حرموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها، فنزلت هذه الآية بسببهم.
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز وبعض البصريين: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان بتشديد القاف، بمعنى: وكدتم الايمان ورددتموها وقراء الكوفيين: بما عقدتم الايمان بتخفيف القاف، بمعنى: أوجبتموها على أنفسكم، وعزمت عليها قلوبكم.
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بتخفيف القاف، وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل فعلت في الكلام، إلا فيما يكون فيه تردد مرة بعد مرة، مثل قولهم: شددت على فلان في كذا إذا كرر عليه الشد مرة بعد أخرى، فإذا أرادوا الخبر عن فعل مرة واحدة قيل: شددت عليه بالتخفيف. وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم أن اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة وإن لم يكررها الحالف مرات، وكان معلوما بذلك أن الله مؤاخذ الحالف العاقد قلبه على حلفه وإن لم يكرره ولم يردده وإذا كان ذلك كذلك لم يكن لتشديد القاف من عقدتم وجه مفهوم. فتأويل الكلام إذن: لا يؤاخذكم الله أيها المؤمنون من أيمانكم بما لغوتم فيه، ولكن يؤاخذكم بما أوجبتموه على أنفسكم منها وعقدت عليه قلوبكم. وقد بينا اليمين التي هي لغو والتي الله مؤاخذ العبد بها، والتي فيها الحنث والتي لا حنث فيها، فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع.
وأما قوله: بما عقدتم الايمان فإن هنادا:
9643 - حدثنا قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان قال: بما تعمدتم.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.