الظالمين الجائرين بلال وسلمان، وعمار، وخباب، وسمية، وأمثالهم مصاديق بارزة لهؤلاء المؤمنين المظلومين.
ولما كان المعيار في المجتمع الجاهلي في ذلك الزمان - وكذا في كل مجتمع جاهلي آخر - هو الذهب والزينة والمال والمقام والمنصب والهيئة الظاهرية، فكان الأثرياء الظالمون، كالنضر بن الحارث وأمثاله يفتخرون على المؤمنين الفقراء بذلك ويقولون: إن علامة شخصيتنا معنا، وعلامة عدم شخصيتكم فقركم ومحروميتكم، وهذا بنفسه دليل على أحقيتنا وباطلكم! كما يقول القرآن الكريم في أول آية من الآيات مورد البحث: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا.
خاصة وأننا نقرأ في الروايات الإسلامية أن هؤلاء الأشراف المترفين كانوا يلبسون أجمل ملابسهم، ويتزينون بأبهى زينة، ويتبخترون أمام أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا ينظرون إليهم نظرة تحقير واستهزاء.. نعم، هذه طريقة هذه الطبقة في كل عصر وزمان.
" الندي " أخذت في الأصل من (الندى) أي الرطوبة، ثم جاءت بمعنى الأفراد الفصحاء والخطباء، لأن أحد شروط القدرة على التكلم امتلاك القدر الكافي من اللعاب، ولذلك فإن (ندي) تعني المجالسة والتحدث، بل يقال للمجلس الذي يجتمعون فيه للأنس والسمر، أو يجلسون فيه للتشاور: نادي، ومن هذا أخذت (دار الندوة) وهي المحل الذي كان في مكة، وكان يجتمع فيه زعماؤها للتشاور.
وقد يعبر عن السخاء والبذل والعطاء ب (الندى) (1) وهذه الآية يمكن أن تكون إشارة إلى كل هذه المعاني، أي: إن مجلس أنسنا أجمل من مجلسكم، وإن مالنا وثروتنا وزينتنا ولباسنا أبهى وأروع، وإن كلامنا وأشعارنا الفصيحة والبليغة