فالآيات تكشف أولا عن أخسر الناس، ولكنها - بهدف إثارة حب الاستطلاع لدى المستمع إزاء هذه القضية - تعمد إلى إثارتها على شكل سؤال موجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتقول: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا.
ثم يأتي الجواب بدون أي توقف حتى لا يبقى المستمع في حيرة، فتقول:
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
مفهوم الخسران لا ينطبق على خسران الأرباح وحسب، بل إن الخسران الواقعي هو خسران أصل رأس المال، وهل هناك رأس مال أربح وأفضل وأحسن من العقل والذكاء والطاقات الإلهية الموهوبة للإنسان من عمر وشباب وصحة؟
إن نتاج كل هذه المواهب هي أعمال الإنسان، وأعمال الإنسان هي في الواقع انعكاس وتجسيد لطاقاتنا وقدراتنا.
عندما تتحول هذه الطاقات إلى أعمال مخربة أو غير هادفة، فكأنها قد فنيت أو ضاعت، فهي كمثل الإنسان الذي يحمل ثروة عظيمة معه، ولكنه أثناء ذهابه إلى السوق يفقد هذه الثروة ويعود بيد خالية.
وقد لا يكون الخسران خسرانا خطيرا عندما يتعلم الإنسان من فقدان الثروة دروسا كبيرة قد تكون في قيمتها مساويه للثروة التي فقدها، أو أكثر قيمة منها في بعض الأحيان، فكأنه لم يخسر شيئا.
إلا أن الخسران الحقيقي والمضاعف هو أن يفقد الإنسان رأسماله المادي والمعنوي في مسالك خاطئة ومجالات منحرفة ويظن أنه أحسن العمل، فهو في هذه الحالة لم يحصل على ثمرة لعمله، وفي نفس الوقت لم يلتفت إلى ما هو فيه، فيكرر العمل.
الجميل هنا، إن القرآن الكريم استخدم تعبير الأخسرين أعمالا في حين أن المفروض هو القول: " الأخسرين عملا " (لأن التمييز مفرد عادة) ولكن لعل