فالحادثة الأولى اعتبروها منطبقة مع قانون الأهم والمهم، وقالوا بأن حفظ مجموع السفينة عمل أهم حتما من الضرر الجزئي الذي لحقها بالخرق، وبعبارة أخرى، فإن الخضر قام هنا (بدفع الأفسد بالفاسد) خاصة وأنه كان يمكن تقدير الرضا الباطني لأهل السفينة فيما إذا علموا بهذه الحادثة. (أي أن الخضر قد حصل من وجهة الإحكام والقواعد الشرعية على إذن الفحوى).
وفيما يتعلق بالغلام فقد أصر المفسرون ممن سلك هذا الطريق، على أن الفتى كان بالغا وأنه كان مرتدا أو مفسدا، وبسبب أعماله الفعلية فإنه من الجائز أن يقتل.
وأما حديث الخضر عن جرائم الغلام المستقبلية، فإنه بذلك أراد أن يقول بأن جرائم هذا الغلام لا تقتصر على إفساده الراهن وجرائمه الحالية، بل سيقوم بالمستقبل بجرائم أكبر، لذا فإن قتله طبقا للموازين الشرعية وبسبب ما اقترفه من جرائم فعلية يكون جائزا.
أما ما يخص الحادثة الثالثة، فلا أحد يستطيع أن يعترض على الآخرين فيما لو قاموا بالتضحية والإيثار من أجل الآخرين، ومن أجل أن لا تضيع أموالهم دون أن يتقاضوا أجرا على أعمالهم، وهو بالضبط ما قام به الخضر، وقد لا تصل هذه الأفعال إلى حد الوجوب، إلا أنها تعتبر - حتما - من السلوك الحسن.
بل قد يقال من الوجهة الفقهية أن الإيثار والتضحية في بعض الموارد من الأمور الواجبة، مثل أن تكون أموال كثيرة لطفل يتيم معرضة للتلف، ويمكن المحافظة عليها بجهد قليل فلا يستبعد وجوب بذل الجهد.
الطريق الثاني: تتم فيه مناقشة بعض عناصر الاستدلال الفقهية التي وردت في الطريق الأول، فإذا كانت التوضيحات الآنفة مقنعة فيما يخص الكنز والحائط، إلا أنها في قضية قتل الغلام لا تتلاءم مع ظاهر الآية، الذي اعتبر علة قتل الغلام هو ما سيقوم به من أعمال في المستقبل، وليس أعماله الفعلية.