لذا كيف يمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (23) سنة متزامنا لها أن ينزل في يوم واحد؟
هل يمكن جمع حوادث (23) سنة نفسها في يوم واحد، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟
إن في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإسلامية، وآيات تختص بالمنافقين، وأخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فهل يمكن أن يكتب مجموع كل ذلك منذ اليوم الأول؟
ثانيا: ليس القرآن كتابا ذا طابع تعليمي وحسب، بل ينبغي لكل آية فيه أن تنفذ بعد نزولها، فإذا كان القرآن قد نزل مرة واحدة، فينبغي أن يتم العمل به مرة واحدة أيضا، ونعلم بأن هذا محال، لأن إصلاح مجتمع ملئ بالفساد لا يتم في يوم واحد، إذ لا يمكن إرسال الطفل الأمي دفعة واحدة من الصف الأول إلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوما - أي بشكل تدريجي - كي ينفذ بشكل جيد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتمثله عمليا.
ثالثا: بدون شك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإمكانيات أكبر عندما يقوم بتطبيق القرآن جزءا جزءا، بدلا من تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنه مرسل من الخالق وذو عقل واستعداد كبيرين ليس لهما مثيل، إلا أنه برغم ذلك فإن تقبل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل مما لو نزل دفعة واحدة.
رابعا: النزول التدريجي يعني الارتباط الدائمي للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع مصدر الوحي، إلا أن النزول الدفعي يتم بمرحلة واحدة لا يتسنى للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الارتباط بمصدر الوحي لأكثر من مرة واحدة.
آخر الآية (32) من سورة الفرقان تقول: كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه