تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ٢ - الصفحة ٥٠
إنك على كل شئ قدير: خيرا كان أو شرا، لكن ما يصدر عن يدك وقدرتك، هو الخير، هذا.
وقال البيضاوي: ذكر الخير وحده؟ لأنه المقضي بالذات، والشر مقضي بالعرض، إذا لا يوجد شر جزئي ما لم يتضمن خيرا كليا، أو لمراعاة الأدب في الخطاب أو لان الكلام وقع فيه، إذ روي أنه (عليه السلام) لما خط الخندق وقطع لكل عشرة أربعين ذراعا وأخذوا يحفرون، فظهر فيه صخرة عظيمة لم تعمل فيه المعاول، فوجهوا سلمان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخبره، فجاء فأخذ المعول منه، فضربها ضربة صدعتها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، لكأن [بها] مصباحا في جوف لبلة (1)، فكبر وكبر معه المسلمون، وقال: أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلاب، ثم ضرب الثانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم، ثم ضرب الثالثة فقال: أضاءت لي قصور صنعاء، وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة على كلها، فأبشروا، فقال المنافقون: ألا تتعجبون؟! يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة [ومدائن كسرى] وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق من الفرق، فنزلت. ونبه على أن الشر أيضا بيده، بقوله: " إنك على كل شئ قدير " (2) انتهى كلامه.
وهذا بناء على زعمه الكاسد مما ذهب إليه الأشعرية: من أن الخير والشر كليهما من أفعال الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. بل ما يصدر عنه تعالى مما ظاهره الشر من التعذيب والخزي والإماتة والتمريض وغير ذلك فهو خير في الواقع وحسن بالنظر إلى مصالحه وحكمه، كيف والشر قبيح يقبح صدوره عنه تعالى.
* * *

(1) في المصدر: في جوف بيت مظلم.
(2) أنوار التنزيل واسرار التأويل: ج 1 ص 154 - 155 سورة آل عمران في تفسيره لآية الملك.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست