تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٥
وليلة، رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيك، وإن لم تستجب دعائي ولم تغفر خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني، أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة.
فأنزل الله (تبارك وتعالى) على نبيه (صلى الله عليه وآله): " والذين إذا فعلوا فاحشته " يعني الزنا " أو ظلموا أنفسهم " يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبر وأخذ الأكفان " ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم " يقول: خافوا الله فعجلوا التوبة " ومن يغفر الذنوب إلا الله " يقول (عز وجل): أتاك عبدي يا محمد تائبا، فطردته، فأين يذهب؟ وإلى من يقصد؟ ومن يسأل أن يغفر له ذنبه غيري، ثم قال (عز وجل): " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " يقول: لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان، " أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ".
فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، خرج وهو يتلوها وهو يبتسم، فقال لأصحابه: من يدلني على ذلك الشاب التائب؟ فقال معاذ: يا رسول الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا، فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي، أفي النار تحرقني؟ أو في جوارك تسكنني؟ اللهم إنك قد أكثرت الاحسان إلي فأنعمت علي، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري إلى الجنة تزفني أم إلى النار تسوقني، اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة، فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع وصفت فوقه الطير، وهم يبكون لبكائه، فدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه، وقال: يا بهلول أبشر فإنك
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»
الفهرست