فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كهيئة الغضبان، ثم قال: ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أم ربك؟ فخر الشاب لوجهه، وهو يقول: سبحان الله ربي ما من شئ أعظم من ربي، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم؟ قال الشاب:
لا والله يا رسول الله، ثم سكت الشاب فقال له النبي (صلى الله عليه وآله):
ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك؟ قال: بلى أخبرك، إني كنت أنبش القبور سبع سنين، اخرج الأموات، وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل، أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من الأكفان وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي، فويل لشبابك من النار.
فما أظن أني أشم ريح الجنة أبدا فما ترى يا رسول الله.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، تنح عني يا فاسق، إني أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النار.
ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه.
فذهب فأتى المدينة فتزود منها، ثم أتى بعض جبالها، فتعبد فيها، ولبس مسحا، وغل يديه جميعا إلى عنقه، ونادى يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا رب أنت الذي تعرفني، وزل منى ما تعلم يا سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظم سلطانك أن لا تخيب رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السباع والوحوش، فلما تمت له أربعون يوما