وبيان مجدهم ووصف كراماتهم ونحوها وإن اشتمل على التخييل الذي هو دأب الشعراء والمداحين وعلى هذا فالحكم بكراهة إنشاد الكلام المنظوم المشتمل على الحكمة أو الموعظة أو المناجاة الخالي عن التخييل أصلا في الأماكن أو الأوقات الشريفة المذكورة لا يخلو عن تأمل فتأمل وإن كان التجنب أحوط ويكره أيضا الهذر والمراء وهو الجدال وقد مر ما يدل على ذلك في بحث المسابة ويكره أيضا السفر وقد مر ذلك سابقا مقيدا بقوله إلى ثلاث وعشرين من غير استثناء إلا بحج أو غزو أو ضرورة كحفظ مال أو أخ في الله أو تشييعه أو تلقيه ويشترك الجميع في عدم الكراهة وإنما يختلف في الوجوب والندب وقد مر البحث عن هذه المسألة مفصلة ويستحب الاكثار من تلاوة القرآن والدعاء والتسبيح بالمأثور والصدقة وتفطير الصائمين ولزوم المساجد والأخبار الواردة في فضل هذه الأمور كثيرة جدا مع غنائها عن ذكر السند لغاية اشتهارها بين المسلمين واهتمامهم بها في كل عصر أخذا عن السابقين ولكن نحن نذكر طرقا من الروايات الشريفة الواردة في هذه الأبواب تيمنا وجريا على عادتنا في هذا الكتاب فرووا عن ابن عباس إن رسول الله كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان وكان أجود من الريح المرسلة وروى شيخنا المتقدم في الكافي عن أبي الورد في الحسن عن أبي جعفر (عليه السلام) قال خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر وهو شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليله فيه بتطوع صلاة كتطوع صلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرايض الله عز وجل ومن أدى فيه فريضة من فرايض الله عز وجل كان كمن أدى سبعين فريضة من فرايض الله فيما سواه من الشهور وهو شهر الصبر وإن الصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن فيه ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما فقال إن الله كريم يعطي هذه الثواب لمن لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره الإجابة والعتق من النار ولا غني بكم عن أربع خصال خصلتين ترضون الله بهما وخصلتين لا غني بكم عنهما فأما اللتان ترضون الله عز وجل بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله فيه حوائجكم والجنة وتسئلون العافية وتعوذون به من النار قوله صلى الله عليه وآله أظلكم أي أقبل عليكم ودنى منكم كأنه ألقى عليكم ظله والمواساة المشاركة والمساهمة مع الاخوان في المعاش والرزق والمذقة الشربة من اللبن الممزوج بالماء من المذق بمعنى المزج والخلط والغناء المنفي عنهم أولا بالمعنى المقابل للزوم الشامل للوجوب الشرعي وثانيا بالمعنى المقابل للافتقار الظاهري العقلي مع قطع النظر عن التكليف وإحدى الأخيرتين سؤال منفعة الدنيا والآخرة والأخرى سؤال دفع مضرتهما ومما يقرب من هذا الخبر ما رواه الصدوق في المجلس العشرين من أماليه عن محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاكم فيه مستجاب فاسئلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه وتصدقوا على فقراءكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه أيها الناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم وظهوركم ثقيلة من أو زاركم فخففوا عنها بطول سجودكم واعلموا إن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وليس كلنا يقدر على ذلك فقال صلى الله عليه وآله اتقوا النار ولو بشق تمرة اتقوا النار ولو بشربة من ماء أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه
(٤٤١)