في الحكم إلى الغبار في الموضعين ولكن العلامة (ره) في المختلف نسب إليه القول بأنه غير مفطر ونقل كلامه الأول واختاره وقواه واستدل عليه بما سيأتي ثم أن فهم غلظة الرائحة وضبط حدها لا يخلو عن إشكال وإرجاعها إلى الحدة يأبى عنه حكم الشيخ في النهاية بكراهة شم المسك وما يجري مجراه للصائم إذ لا رائحة أحد من من رائحة المسك والمراد بالجوف أيضا إن كان الخيشوم وأقصى الانف ففيه أن الشم لا يتصور بدون وصول الرائحة إليه وإن كان ما دون الحلق وهو الظاهر كما وقع لفظ الحلق بدل الجوف في النهاية ففيه أنه لا يمكن العلم بذلك لان الحلق ليس فيه قوة شم الرائحة إلا أن يقال أن الشامة تدركها من الحلق بوصولها إليه وهو مستبعد فالظاهر أن مرادهم بالرايحة الغليظة التي تصل إلى الجوف الرايحة القوية التي يحدث شمها طعما في الحلق أو الذائقة كرايحة الأشياء البالغة غاية الحموضة أو نهاية المرارة نحو الخل والحنظل والصبر فإن حودث الطعم في الحلق والجوف لا يتصور إلا بوصول جسم له هذا الطعم إليه فيوجب إدخاله الجوف عمدا بسبب التعمد في الشم القضاء والكفارة والقول بتكيف الهواء بطعم ذي الطعم بسبب المجاورة وإحساس الذائقة ذلك الطعم من الهواء المكيف الذي يصل إليها بالشم مستبعد جدا ولا يقول به أحد ويؤيد الحكم بوجوبهما أيضا ما تقدم من رواية سليمان بن جعفر المروي ولكن الكلام حينئذ في فساد الصوم بمثل الادخال الخفي الذي لا يدرك الطرف الشئ الداخل وإنما يعلم وجوده بالدليل ولا يطلق عليه أهل العرف واللغة لفظة إدخال الشئ في الحلق وبالجملة نطالبهم بدليل ذلك ورواية سليمان لا يصلح لذلك كما عرفت مرارا نعم لو فرض وصول جسم محسوس بسبب هذا الشم إلى فضاء الفم وما فوق الحلق وتعمد في ابتلاعه فإنه يوجبهما البتة ولكن بعد الفرض واضح والحاصل أن البحث في هذه المسألة كالبحث في مسألة الغبار إلا أنها أبعد منها عن القول بوجوب القضاء والكفارة فيها باعتبار كمال خفاء الخلط وتغيير طريق الادخال وأيضا ينتقض احتجاجهم هذا بمن لطخ باطن قدمه بالحنظل فإنه يجد طعمه في حلقه ولا يفطره ذلك إجماعا كما قاله في المنتهى واحتج في المختلف على أنه غير مفطر بعد الاحتجاج بالأصل بأن إدراك الرايحة إما أن يكون باعتبار انفعال الهواء الواصل إلى الخيشوم بكيفية ذي الرايحة أو بحصول الادراك في الخيشوم من غير انفعال ولا انتقال كما ذهب إليه من لا تحقيق له وإما بانتقال أجزاء ذي الرايحة إلى الخيشوم وهو نادر وعلى التقديرين الأولين لا إفطار وإلا لزم حصول الافطار في أول جزء من النهار لعدم انفكاك الانسان من استنشاق الأهوية فإنه أمر ضروري له في بقاءه والثالث غير معلوم لندوره فيكون الأصل بقاء العبادة وانتفاء المبطل وبما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الصائم يشم الريحان والطيب قال لا بأس وما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصائم يشم الريحان أترى له ذلك فقال لا بأس أقول إذا كان مرادهم بالرايحة الغليظة ما ذكرنا فلا وجه لحججه في مقابل قولهم أما الأولى فلان القول بانفصال الاجزاء في الاحساس بالرائحة إن كان نادرا فليس الامر في الطعم كذلك إذ لا يقول أحد فيه بتكيف الهواء بكيفية ذي الطعم واحساس الذايقة هذه الكيفية منه أو من الرطوبة اللعابية بعد تكيفها بكيفية الهواء أو خلطها به على أن حاصل هذه الحجة على ما ذكره لا يرجع إلا إلى أصل عدم إفساد شم الرائحة للصوم لان على القول بإبطاله له لا يلزم على التقديرين الأولين خصوصا على الثاني القول بإبطال استنشاق أصل الهواء للصوم وهو ظاهر وكلامهم في الثالث ليس إلا أن الأصل انتفاؤه وأما الروايتان فلظهور أن رايحة الريحان والطيب ليست من جنس الرايحة الغليظة بهذا المعنى ثم استدل للشيخ بعد رواية سليمان بأن الرايحة عرض والانتقال على الاعراض محال وإنما تنتقل بانتقال محالها فإذا وصلت إلى الجوف علم أن محلها قد انتقل إليها وذلك يوجب الافطار وأجاب بأن انتقال الاعراض وإن كان محالا لكنا قد بينا أن الرايحة لا يتنقل وإنما الهواء ينفعل ويصل إلى الخيشوم أقول وبعدما عرفت حقيقة الحال تعرف أن لاستدلالهم صورة أخرى ولا وجه لجوابه في مقابلها ونقل المرتضى في الجمل عن قوم من أصحابنا وجوبهما بالحقنة من غير تعرض للفرق بين المايع والجامد وقد مر تفصيل الأقوال والبحث عنها وهما متروكان أي قول الشيخ في النهاية بوجوبهما بالشم وما نقله المرتضى من وجوبهما بالحقنة والسعوط وهو بالضم صب الدواء في الانف وبالفتح ذلك الدواء بما يتعدى الحلق متعمدا كالشرب في إيجاب القضاء والكفارة لصدق إدخال الشئ في الحلق عمدا اختيارا وهو مختار العلامة (ره) أقول التعمد في إفساد الصوم المعلوم حقيقته من الشرع بذلك واضح فيجب القضاء ولكن شمول أخبار الكفارة لذلك لا يخلو عن إشكال إذ لا يبعد ادعاء ظهور اختصاص الافطار والأكل والشرب الواقعة فيها بما يكون بطريق العادة ولا بد لمثل هذا الحكم المخالف للأصل جدا من دليل ظاهر ثم أنه ينافي ما قواه العلامة وصححه في هذه المسألة في المنتهى في مسألة الكحل من أن الايصال إلى الحلق لا يستلزم الافطار ما لم يبتلعه والظاهر أن هذا القول منه في المنتهى على سبيل الاحتمال للقدح في دليل أحمد لأنه في مقام البحث عليه وإن لم يكن قويا عنده مرضيا له لا ما يصل إلى الدماغ فإنه لا يوجب شيئا من القضاء والكفارة وإن كان الدماغ من الجوف لعدم دليل تام على فساد الصوم بإيصال شئ إلى مطلق الجوف والأخبار الواردة في باب السعوط لا يفيد إلا الكراهة كما رواه الجمهور عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله كره السعوط للصائم ولم يكره الكحل وما رواه ليث المرادي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يحتجم
(٤١٤)