فقال له رسول الله ما أخالك سرقت قال بلى يا رسول الله فأعادها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا قال بلى يا رسول الله فأمر به فقطع ثم جئ به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قل أستغفر الله وأتوب إليه قال أستغفر الله وأتوب إليه ثم قال اللهم تب عليه ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعه بإقراره مرة واحدة حتى أقر ثانية فهذا أولى من الحديث الأول لان فيه زيادة على ما في الأول وقد يجوز أن يكون أحدهما قد نسخ الآخر فلما احتمل ذلك رجعنا إلى النظر فوجدنا السنة قد قامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقر بالزنا أنه رده أربعا وأنه لم يرجمه بإقراره مرة واحدة وأخرج ذلك من حكم الاقرار بحقوق الآدميين التي يقبل فيها الاقرار مرة واحدة ورد حكم الاقرار بذلك إلى حكم الشهادة عليه فكما كانت الشهادة عليه غير مقبولة إلا من أربعة فكذلك جعل الاقرار به لا يوجب الجلد إلا بإقراره أربع مرات فثبت بذلك أن حكم الاقرار بالسرقة أيضا لذلك يرد إلى حكم الشهادة عليها فكما كانت الشهادة عليه لا يجوز إلا من اثنين فكذلك الاقرار بها يقبل إلا مرتين وقد رأيناهم جميعا لما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقر بالزنا لما هرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا خليتم سبيله فكان ذلك ك عندهم على أن رجوعه مقبول واستعملوا ذلك في سائر حدود الله عز وجل فجعلوا من أقر بها ثم رجع قبل رجوعه ولم يخصوا الزنا بذلك دون سائر حدود الله فكذلك لما جعل الاقرار في الزنا لا يقبل إلا بعدد ما يقبل عليه من البينة ثبت أنه لا يقبل الاقرار بسائر حدود الله إلا بعدد ما يقبل عليها من البينة فأدخل محمد بن الحسن رحمه الله في هذا على أبي يوسف رحمه الله فقال لو كان لا يقطع في السرقة حتى يقر بها سارقها مرتين لكان إذا أقر أول مرة صار ما أقر به عليه دينا ولم يجب عليه القطع بعد ذلك إذا كان السارق لا يقطع فيما قد وجب عليه بأخذه إياه دينا فكان من حجتنا لأبي يوسف رحمة الله عليه في ذلك أنه لو لزم ذلك أبا يوسف في السرقة للزم محمدا مثله في الزنا أيضا إذ كان الزاني في قولهم لا يحد فيما وجب عليه فيه مهرا كما لا يقطع السارق فيما قد وجب عليه دينا
(١٦٩)