قالوا فبهذا نقول نرى أن يجلد المحصن ثم يرجم بعد ذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الحجة للآخرين عليهم في ذلك ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره أنيسا الأسلمي برجم المرأة التي أمره أن يغدو عليها فيرجمها إن اعترفت ولم يأمره أن يجلدها وقد ذكرت ذلك بإسناده في البا ب الأول وفي ذلك الحديث أيضا أن الذي قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له إني سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على امرأة هذا الرجم ولم يذكر معه الجلد فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل هذا أن جميع ما كان عليها من الجلد في الزنا الذي كان منها هو الرجم دون الجلد وقد شد ذلك أيضا مقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل ب ماعز رضي الله عنه حدثنا علي بن معبد قال ثنا الأسود عن عامر قال أخبرنا حماد بن سلمة عن سماك عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يذكر جلدا ففيما ذكرنا من ذلك ما يدل أن حد المحصن هو الرجم دون الجلد فإن قال قائل ولم لا كان ما فيه الرجم والجلد أولى مما فيه الرجم خاصة قيل له لدلالة دلت على نسخ الجلد مع الرجم وهي أنا رأينا أصل ما كان على الزاني قبل أن نفرق بين حكمه إذا كان محصنا وبين حكمه إذا كان غير محصن ما وصف الله عز وجل في كتابه بقوله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا فكان هذا هو حد الزانية أتمسك في البيوت حتى تموت أو يجعل الله لهن سبيلا ثم نسخ بقوله خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا فذكر ما قد ذكرناه في حديث عبادة بن الصامت فكان ذلك هو السبيل الذي قال الله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا فجعل الله ذلك السبيل على ما قد بينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفرض في ذلك الجلد والرجم على الثيب والجلد والنفي على غير الثيب فعلمنا أن ذلك القول قد كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية وأنه لم يتقدم نزول الآية وجوب الرجم على الزاني لان حده كان على ما وصف الله عز وجل في كتابه من الحبس في البيوت ولم يكن بين قوله أو يجعل الله لهن سبيلا وبين حديث عبادة حكم آخر فعلمنا أن حديث عبادة كان بعد نزول هذه الآية وأن حديث ماعز الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عن إحصانه لتفرقته بين حد المحصن وغير المحصن وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنه فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بين حكم البكر والثيب فجعل على البكر جلد مائة وتغريب عام وعلى الثيب الرجم متأخر عنه فكان ذلك ناسخا له لان ما تأخر من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ ما تقدم منه
(١٣٩)