أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية فنسخ ذلك ذلك بالآية التي في النور (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) الآية انتهى كلام السيوطي.
وفي الخازن، قيل لما نزلت (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) قالوا لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فأنزل الله تعالى: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم) (إلا أن تكون تجارة) أي إلا أن تكون التجارة تجارة قاله النسفي (عن تراض منكم) هذا الاستثناء منقطع، لأن التجارة عن تراض ليست من جنس أكل المال بالباطل فكأن إلا ها هنا بمعنى لكن يحل أكله بالتجارة عن تراض، يعني بطيبة نفس كل واحد منكم وقيل هو أن يخبر كل واحد من المتابعين صاحبه بعد البيع فيلزم وإلا فلهما الخيار ما لم يتفرقا والله أعلم.
وبيان مقصود الباب أنه لما نزل قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) حرم بذلك أكل الرجل من مال غيره مطلقا إلا بتجارة صادرة عن تراض، فقد وقع بسبب تلك الحرمة ضيق على المكلفين في الأكل من مال غيره قال ابن عباس (فكان الرجل يحرج) من باب التفعيل أي يحسب الرجل الوقوع في الحرج والإثم وكان يجتنب (أن يأكل عند أحد من الناس) سواء كان مسلما أو كتابيا أو غيرهما وسواء كان ذلك الطعام مما ذكر اسم الله عليه أو لم يكن.
وذلك (بعد ما نزلت هذه الآية) الكريمة التي في النساء وهي قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) الآية لأنها حرمت الأكل من مال الغير إلا بتجارة عن تراض، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: ((لما نزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) قال المسلمون إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل من عند أحد، فكف الناس عن ذلك، فأنزل الله (ليس على الأعمى حرج) الآية)) انتهى (فنسخ ذلك) أي الحكم الذي فهمه المسلمون وقالوا لا يحل لأحد منا أن يأكل من عند أحد أو نسخ ذلك أي الضيق الذي كان قد حصل في الأكل من مال غيره بسبب نزول الآية المذكورة (الآية) بالرفع فاعل نسخ (التي في النور فقال) الله تعالى في تلك الآية التي في النور (ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله أشتاتا) ليست التلاوة هكذا، فهذا النقل الذي في الكتاب إنما هو نقل بالمعنى لا باللفظ،