بأن أبا بكر الصديق حلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا من غنم لرجل من قريش له فيها عبد يرعاها وصاحبها غائب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في مخرجه من مكة إلى المدينة. واحتجوا أيضا بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من دخل حائطا فليأكل منه ولا يأخذ منه خبنة)).
وعن الحسن أنه قال: ((إذا مر الرجل بالإبل وهو عطشان صاح برب الإبل ثلاثا فإن أجاب وإلا حلب وشرب)).
وقال زيد بن أسلم ((ذكروا الرجل يضطر إلى الميتة وإلى مال المسلم فقال يأكل الميتة)) وقال عبد الله بن دينار ((يأكل الرجل مال الرجل المسلم فقال سعيد ما أحب أن الميتة تحل إذا اضطر إليها ولا يحل له مال المسلم)) انتهى كلامه. قال المنذري: ذكر البخاري أن سعيد بن المهاجر سمع المقدام انتهى.
(إنك تبعثنا) أي وفدا أو غزاة (فلا يقروننا) بفتح الياء أي لا يضيفوننا (فما ترى) من الرأي أي فما تقول في أمرنا (بما ينبغي للضيف) أي من الإكرام بما لا بد منه من طعام وشراب وما يلتحق بهما (فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم) أي للضيف وهو يطلق على الواحد والجمع والموصول صفة للحق قال النووي: حمل أحمد والليث الحديث على ظاهره وتأوله الجمهور على وجوه أحدها أنه محمول على المضطرين فان ضيافتهم واجبة وثانيها أن معناه أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس لومهم قلت: وما أبعد هذا التأويل عن سواء السبيل قال: وثالثها أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة فلما أشيع الإسلام نسخ ذلك، وهذا التأويل باطل لأن الذي ادعاه المؤول لا يعرف قائله، ورابعها أنه محمول على من مر بأهل الذمة الذي شرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين، وهذا أيضا ضعيف لأنه إنما صار هذا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كذا في المرقاة.
قلت: التأويل الأول أيضا ضعيف لأنه مما لم يقم عليه دليل ولا دعت إليه حاجة. ولبطلان التأويل الثالث وجه آخر وهو أن تخصيص ما شرعه صلى الله عليه وسلم لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم ها هنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة، وليس فيه