(قال) عبد الله (فقد أبغضهم) أي اليهود (فمه) أي فماذا حصل له ببغضهم، فالهاء منقلبة عن الألف وأصله فما أو هو اسم فعل بمعنى اسكت، وكأنه يريد أنه لا يضر حبهم ولا ينفع بغضهم، ولو نفع بغضهم لما مات أسعد بن زرارة، وهذا من قلة فهمه وقصور نظره على أن الضرر والنفع هو الموت أو الخلاص منه. قاله في فتح الودود (فلما مات) أي عبد الله (أتاه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ابنه) أي ابن عبد الله وكان مؤمنا (فقال) أي ابن عبد الله (أكفنه) من باب التفعيل أي أكفن عبد الله (فيه) أي في قميصك (فأعطاه) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله (إياه) أي قميصه.
قال المنذري: والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر أن ابنه عبد الله جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه أن يكفن فيه أباه فأعطاه.
وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي فأخرجه من قبره فوضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه " قيل: يجوز أن يكون جابر شاهد من ذلك ما لم يشاهد ابن عمر، ويجوز أن يكون أعطاه قميص الكفن ثم أخرجه فألبسه آخر واختلفوا لم أعطاه ذلك أربعة أقوال: أحدها أن يكون أراد بذلك إكرام ولده فقد كان مسلما بريئا من النفاق.
والثاني أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئا قط فقال لا.
والثالث أنه كان قد أعطى العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصا لما أسر يوم بدر ولم يكن على العباس ثياب يومئذ فأراد أن يكافئه على ذلك لئلا يكون لمنافق عنده يد لم يجازه عليها.
والرابع أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قبل أن نزل قوله عز وجل، (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) انتهى كلام المنذري.