منه مغانم المسلمين، ثم صالح بعد على وضع الجزية في رقابهم ووضع الخراج على أرضهم، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب.
وأخرج أيضا من طريق عمرو بن الحارث قال: كان عمرو بن العاص يبعث بجزية أهل مصر وخراجها إلى عمر بن الخطاب كل سنة بعد حبس ما يحتاج إليه انتهى مختصرا.
وقال شمس الدين ابن القيم: وجمهور الصحابة والأئمة بعدهم على أن الأرض ليست داخلة في الغنائم، وهذه كانت سيرة الخلفاء الراشدين، فإن بلالا وأصحابه لما طلبوا من عمر رضي الله عنه أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها عنوة وهي الشام وما حولها وقالوا له خذ خمسها واقسمها، فقال عمر هذا في غير المال ولكن أحبسه فيما يجرى عليكم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر: اللهم اكفني بلالا وذويه، ثم وافق سائر الصحابة عمر رضي الله عنه، وكذلك جرى في فتوح مصر والعراق وأرض فارس وسائر البلاد التي فتحت عنوة لم يقسم منها الخلفاء الراشدون قرية واحدة، ولا يصح أن يقال إنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم قد نازعوه في ذلك وهو يأبى عليهم ودعا على بلال وأصحابه. وكان الذي رآه وفعله عين الصواب ومحض التوفيق، إذ لو قسمت لتوارثها ورثة أولئك وأقاربهم، فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير والمقاتلة لا شئ بأيديهم، فكان في ذلك أعظم الفساد وأكبره وهذا هو الذي خاف عمر رضي الله عنه فوفقه الله تعالى لترك قسمة الأرض وجعلها وقفا على المقاتلة تجرى عليهم فيها حتى يغزوا منها آخر المسلمين، وظهرت بركة رأيه ويمنه على الاسلام وأهله ووافقه جمهور الأئمة انتهى كلامه.
وأما وجه استدلال المؤلف الإمام بهذا الحديث على ما ترجم من إيقاف سواد الأرض فبأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن الصحابة يفتتحون تلك البلاد ويضعون الخراج على أرضهم ويقفونها على المقاتلة والمجاهدين، ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك بل قرره وحكاه لهم، لكن المؤلف لم يجزم على أن إيقافها أمر لازم بل تبويبه كأنه على طريق الاستفهام، أي ماذا يفعل بأرض العنوة يوقف على المقاتلة أو يقسم للغانمين، وما حكم إيقاف أرض السواد، فقد علمت وجه الاستدلال بالحديث الأول من حديثي الباب.
وأما الحديث الثاني ففيه التصريح بأن الأرض المغنومة تكون للغانمين، وحكمها حكم سائر الأموال التي تغنم. فطريق الجمع ما ذهب إليه مالك بن أنس وتقدم قوله. قال المنذري:
وأخرجه مسلم أي في كتاب الفتن من الصحيح.