قال ابن المنذر: ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.
وذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا تقسم بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر، وغير ذلك من سبيل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض.
وأخرج أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد، فشاور في ذلك فقال له علي: دعه يكون مادة للمسلمين فتركه.
وأخرجه أيضا من طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة، ويأتي قوم يسدون من الاسلام مسدا ولا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأى عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجئ بعدهم انتهى.
(منعت العراق) أي أهلها. قال النووي: في معناه قولان مشهوران أحدهما لإسلامهم فتسقط عنهم الجزية، وهذا قد وجد. والثاني وهو الأشهر أن معناه أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين. وقد روى مسلم عن جابر قال:
" يوشك أهل العراق أن لا يجئ إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذلك؟ قال من قبل العجم يمنعون ذلك " وذكر في منع الروم ذلك بالشام مثله، وهذا قد وجد في زماننا في العراق. وقيل لأنهم يرتدون في آخر الزمان فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها. وقيل معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج انتهى.
قال في النيل: وهذا الحديث من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ووضعهم الجزية والخراج ثم بطلان ذلك إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين، وفي البخاري ما يدل عليه، ولفظ المنع يرشد إلى ذلك، وإما بإسلامهم انتهى (قفيزها) مكيال معروف لأهل العراق.
قال الأزهري: هو ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف وهو خمس كيلجات قاله النووي