قلت: قد أجاب الحافظ عن الجواب الأول والثاني والرابع ولم يجب عن الثالث بل قواه وجوابه ظاهر من كلام شمس الدين ابن القيم في الإغاثة حيث قال: إن أبا داود إنما رجح حديث البتة على حديث ابن جريج لأنه روى حديث ابن جريج من طريق فيها مجهول ولم يرو أبو داود الحديث الذي رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق أن ركانة طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فلذا رجح أبو داود حديث البتة ولم يتعرض لهذا الحديث ولا رواه في سننه، ولا ريب أنه أصح من الحديثين. وحديث ابن جريج شاهد له وعاضد، فإذا انضم حديث أبي الصهباء إلى حديث ابن إسحاق وإلى حديث ابن جريج مع اختلاف مخارجها وتعدد طرقها أفاد العلم بأنها أقوى من البتة بلا شك. ولا يمكن من شم روائح الحديث ولو على بعد أن يرتاب في ذلك فكيف يقدم الحديث الضعيف الذي ضعفه الأئمة ورواته مجاهيل على هذه الأحاديث انتهى كلام شمس الدين ابن القيم.
فإن قلت: قد ثبت من حديث ابن عباس أن الصحابة كلهم قد أجمعوا على أن الثلاث واحدة فكيف خالفهم عمر رضي الله عنه حيث أمضاها عليهم.
قلت: لم يخالف عمر رضي الله عنه إجماع من تقدمه بل رأى إلزامهم بالثلاث عقوبة لهم لما علموا أنه حرام وتتابعوا فيه، ولا ريب أن هذا سائغ للأمة أن يلزموا الناس ما ضيقوا به على أنفسهم ولم يقبلوا فيه رخصة الله عز وجل وتسهيله ورخصته، بل اختاروا الشدة والعسر،