وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (إن اليهود تحدث أن العزل مؤودة الصغرى) المؤودة هي التي دفنت حية وكانت عادة سراة العرب أن يدفنوا بناتهم إذا ولدت تحرزا عن لحوق العار، فقالت اليهود إن العزل أيضا قريب من الوأد لأنه إتلاف نفس ولو بعيدة عن الوجود (قال كذبت يهود) فيه دليل على جواز العزل ولكنه معارض بما في حديث جذامة: أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي. أخرجه مسلم. وجمع بينهما بأن ما في حديث جذامة محمول على التنزيه وتكذيب اليهود لأنهم أرادوا التحريم الحقيقي.
وقال شمس الدين ابن القيم: الذي كذب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوا بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما أسماه وأدا خفيا في حديث جدامة بأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا انتهى. (لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه) معناه أنه تعالى إذا قدر خلق نفس فلا بد من خلقها وأنه يسبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه ولا ينفعكم الحرص على ذلك، فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام ما قدره الله.