وبالجملة لا يخرج عن ظاهر هذه الآية المحكمة إلا بمثلها في الحجية مع زيادة المبالغة بقوله " ويريد الشيطان أن يضلهم " إشارة إلى أن إرادة ذلك إرادة من الشيطان إضلالهم من الحق والهدى والايمان " ضلالا بعيدا " ثم بقوله " و إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا " بأن هؤلاء منافقون، وليسوا بمؤمنين حقيقة، وأنهم إذا أمروا بالعمل إلى ما أنزل الله وإلى الرسول تراهم يعرضون عنه وعن المصير إليه، وعن العمل بما أمروا من متابعته إلى غيره مما هو موافق لطبعهم ورأيهم.
ثم أكد ذلك بقوله " فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا " أي فكيف صنع هؤلاء إذا نالتهم نكبة و عقوبة من الموت وغيره، بسبب ما فعلوا من التحاكم إلى الطاغوت، والنفاق وعدم الرضا بحكم النبي بينهم بالحق، ثم جاؤوا النبي يعتذرون إليه ويقسمون بالله أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت إلا إحسانا إلى النبي وهو التخفيف عنه، وعدم تصديعه برفع الصوت والخصومة عنده وإلا توفيقا بين الخصمين بالتماس واسطة يصلح بيننا دون الأخذ بالحكم المر الحق.
" أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم " من النفاق وعند ذلك " فأعرض عنهم " ولا تعاقبهم بذلك النفاق والكذب بعد التحاكم " وعظهم " خوفهم من العقوبات وعده هم بالثواب إن رجعوا وتابوا " وقل لهم في أنفسهم " خاليا بهم أو مؤثرا في أنفسهم إن لم تعودوا تصبكم من المصائب أكثر وأعظم " قولا بليغا " ملائما موافقا للمطلوب، يبلغ إلى أنفسهم ويؤثر فيها.
وفيها دلالة على نزول المصائب بالذنوب، والحث على استعمال حسن الخلق والملايمة، وعدم الخشونة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو كان الفاعل كافرا مثل قوله لموسى وهارون " وقولا له " أي لفرعون " قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " فيفهم كمال المبالغة في استعمال حسن الخلق وعدم الغلظة والغضب، ثم أشار فيما بعدها إلى أن الله تعالى ما يرسل رسولا إلا ليطاع لا ليعصى، ومع العصيان