فإن الله غني عن العالمين " وهي محمولة على المبالغة كالأخبار، مثل ما روي في المجمع عن أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من لم تحبسه حاجة ظاهرة من مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ونحوه نقل عن ابن عباس والحسن، وفيه: (1) معناه من جحد فرض الحج ولم يره واجبا.
وأما سائر أفعال الحج وأحكامه فلتطلب من محالها، ويمكن كون قوله تعالى " ومن دخله " إشارة إلى وجوب عدم التعرض لمن جنى في غير الحرم فالتجأ إليه كما قيل إنه كان في الجاهلية كذلك وذكره الأصحاب أيضا مع إيجاب عدم معاملته ومؤاكلته، حتى يضطر إلى الخروج فيفعل به ما اقتضى جنايته من الحد وغيره، للأخبار مثل حسنة الحلبي لإبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله عز وجل " ومن دخله كان آمنا " قال إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر إلى الحرم لم يسغ لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم فإنه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنه لم يرع للحرم حرمة ورواية علي ابن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " ومن دخله كان آمنا " قال إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه، ففر إلى مكة، لم يؤخذ ما دام بالحرم، حتى يخرج عنه، ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه (2).
والظاهر من الحرم هو الحرم المقرر الذي هو اثنا عشر ميلا في مثله ولكن ظاهر الآية هو كون المأمن البيت أو بكة، لرجوع الضمير إلى أحدهما مع تأويل في الثاني بالبلد، للتذكير إذ لا مرجع غيرهما في قوله " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله " وكذا