والثاني لفظا إذ يقال التصدق في عرف الفقهاء لما في الذمة بل الابراء " خير لكم " أي أكثر ثوابا من إنظاره أو مما تأخذونه بمضاعفة ثوابه ودوامه، فأن مصدرية وما بعده مبتدأ بتأويل المصدر، وخير خبره " إن كنتم تعلمون " حقيقة الخير و الشر، أو حقيقة التصدق وثوابه، وما فيه من الأجر الجزيل والذكر الجميل والانظار وما فيه، أو إن كنتم من أهل العلم والتمييز، تعلمون أن التصدق خير لكم.
فبالحقيقة علمهم بأن التصدق خير متعلق على علمهم بالمعاني المذكورة لا خيرية التصدق في نفس الأمر، كما هو الظاهر وهو ظاهر، ففي الآية دلالة على أن التصدق يطلق على الابراء فيصح الابراء بالتصدق مطلقا إلا أن يظهر دليل غير قولهم وأنه خير من الأنظار، ولا استبعاد في أفضلية المندوب على الواجب والظاهر أن أمثاله كثيرة، ولا يمكن أن يقال إن التصدق مشتمل على الأنظار أيضا ففي الحقيقة الجمع بين الواجب والندب خير من الواجب كما قيل، إذ لا معنى للجمع بينهما، إذ لا إنظار مع الابراء، وهو ظاهر، ولعل المراد أن ترك المطالبة والتضييق على الغريم الذي هو الغرض من وجوب الأنظار يتحقق مع إبرائه فهو موجب لكثرة الثواب، يعني أنه ما ترك واجبا وأتى بما هو الغرض منه، ومع ذلك فعل فعلا مستحبا فثوابه أكثر، ولا قصور فيه بوجه، وعلى أنه إذا علم إعسار صاحبه لا يجوز الطلب والحبس بل يجب الأنظار، وعلى أن الابراء حسن وخير وأن الأنظار واجب، وإن كان بالنسبة إلى فاسق بل كافر وغاصب مع غنائه وإعساره أيضا.
وبالجملة يدل على أن الاحسان حسن، وإن لم يكن المحسن إليه من أهله، ويدل عليه ما روي عنه صلى الله عليه وآله: اصنع المعروف إلى كل أحد فإن لم يكن أهلا له، فأنت أهل لذلك (1) وعموم قوله عليه السلام أيضا من أنظر معسرا ووضع عنه أظله الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وعنه أيضا عليه السلام من أنظر معسرا كان له بكل