فاعلم أن في الآية التي بعدها تأكيدا لأمر تحريم الربا بأنه يمحقه الله أي ينقصه ويذهب بركته في العاجل، ويعاقب عليه في الآجل، وأنه يكثر الصدقة و يعطيها البركة وينميها ويزيدها، بأن يثمر المال في العاجل، روي أنه ما نقصت الزكاة عن مال قط أي ما نقص شئ من مال أخرجت عنه قط إلا أعطاء الله البركة فيه ويثيب فاعلها في الآجل حتى أنه عبر عن فاعل الربا بالكفار الأثيم أي المصر على تحريم ما حرمه الله والمهمك في ارتكابه، وفي التي بعدها دلالة على كون الصلاة والزكاة وسائر الأعمال الصالحة موجبة للأجر العظيم وعدم الخوف والحزن على فاعلهما.
وبالجملة تحريم الربا معلوم من الدين ضرورة، وقد يعلم من بعض الآيات الأخر.
الثالثة: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (1).
أي اتركوا البقايا التي شرطتم على الناس وهي الربا - فمن بيانية أو متعلق ببقي، فتكون ابتدائية أو تبعيضية، والأول أولى - إن صدقتم تحريمه فإن العلم يمنع من العمل المحرم إذا كان يقينا كما هو مقتضى العقل فإن من يفعل المحرم فكأنه جاهل غير مصدق، إذ العلم الذي لا يعمل بمقتضاه هو والجهل سواء وهذه مبالغة مشهورة في إفادة منع العالم عن خلاف ما يقتضي علمه، فتقييد الترك بالايمان يكون لذلك، أو يكون على ظاهره، أي يجب عليكم ترك ما بقي من الربا بعد علمكم بالتحريم فالذي فعلتم وأخذتم قبل العلم لا يجب رده إلى صاحبه كما فهم من قوله " وله ما سلف ".
قيل: روي أنه كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوه عند المحل بالمال