وبالجملة المسألة وتحقيقها وشرائطها وتفصيلها يحتاج إلى تطويل كثير وهو يخل بمقصودنا هنا، مع وجودها في غير هذا المحل إلا أنه ينبغي أن يعلم أن ظاهر الآية خالية من الشرائط فبعد ثبوت معنى الربا فكل دليل يصلح لتقييدها يقيد به، وما لا فلا، على ما مر مرارا، وتحريم القياس وأنه ليس بحجة شرعية إذ لو كان كذلك لما ساغ الذم عليه، وإن أخطأ المستعمل كما هو الثابت في الأصول، إلا أن تحمل الآية على أنهم قالوا ذلك مع ثبوت تحريمه، وهو خلاف الظاهر، وخلاف ما قيل في سبب النزول، وهو أنهم كانوا يفعلون الربا ولا يمتنعون منه، ويقولون بالقياس المذكور، فنزلت وخطاهم الله تعالى في ذلك وقال " أحل الله " كما في التفاسير، وخلاف الظاهر من قوله " فمن جاءه " الخ فحينئذ يبطل قول الكشاف والقاضي أن قوله " وأحل الله " رد لقولهم، وإنكار لقياسهم وأن قياسهم باطل لمعارضة النص وأن القياس يهدمه النص لأن الله جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه، إلا أن يقال: يريدان ما قلناه، وهو بعيد لما مر.
وتدل على تحليل الربا في بعض الأوقات في الجملة، وأنه كان يملك ذلك بعد الأخذ والقبض، بل الظاهر بعد العقد إلا أنه سيجيئ في الثالثة ما يدل على نفيه حينئذ ويفهم منها ومما سبق أيضا أن الربا لا يملك مع كون فعله حراما، وأما كون البيع المشتمل عليه باطلا كما يقوله الأصحاب والشافعية وغيرهم - إلا ما نقل عن أبي حنيفة من صحة البيع في أصله، وبطلانه في الزيادة، ووجوب ردها إلى صاحبها - فلعل دليل الأصحاب إجماعهم وأخبارهم، وأن الذي وقع عليه التراضي ما انعقد، إجماعا منا ومن أبي حنيفة، وما وقع التراضي على غيره وهو شرط في التجارة، وأيضا إن الذي علم جوازه وكونه مملكا وصحيحا هو البيع الخالي من الربا، وغيره غير ظاهر، والأصل عدم حصول الملك إلا بدليل، إذ الظاهر أنه ما أراد الله من الأمر بالعقود والايفاء بها إلا ما أجازها ورضي بها منها لا غير، ومنه علم ما تخيله دليلا.