" ولا تكرهوا فتياتكم " أي إمائكم على الزنا " إن أردن تحصنا " تعففا وتزويجا " لتبتغوا " أي لا تكرهوا لطلب متاع الدنيا، أي ما يحصل من كسبهن وهو أجرة الزنا وثمن بيع أولادهن " ومن يكرههن " ومن يجبرهن على الزنا " فإن الله من بعد إكراههن غفور " للمكرهات " رحيم " بهن، ويحتمل للمكرهين بعد التوبة فإن المكرهات لا ذنب لهن إذ لا ذنب مع الاكراه عقلا ونقلا، فلا يحتاج إلى كون الله تعالى غفورا رحيما لهن فتأمل أو مطلقا.
ثم إن فيها دلالة على تحريم الاكراه على الزنا بل على تحريمه وتحريم أجره فهو حرام مطلقا، وإن كان " إن أردن تحصنا " قيدا للنهي كما هو الظاهر لا قيدا للإكراه كما قاله البيضاوي ولا اعتبار بمفهوم إرادة التحصن ولا بمفهوم طلب عرض الدنيا، فلا تدل على إباحة الاكراه بدون إرادة التحصن ولا عليها مع عدم طلب عرض الحياة الدنيا، لأن المفهوم على تقدير اعتباره إنما يعتبر إذا لم يكن للتقييد وجه آخر سوى عدم الحكم في المسكوت، وهو ظاهر ومبين في محله، وقد مر أيضا، وهنا سبب النزول والواقع سبب التقييد، بل نقول بالمفهوم هنا فإن تحريم الاكراه منتف على تقدير عدم إرادة التحصن لأن الاكراه منتف مع عدم إرادة التحصن، ولا يلزم جوازه، فإنه على تقدير إمكان الاكراه إنما يعتبر المفهوم مع عدم المعارض الأقوى، ولا شك أن الاجماع ومنطوق الكتاب والسنة يدل على تحريمه مطلقا فهو مردود بها.
وفي الكشاف كانت إماء أهل الجاهلية يساعين على مواليهن وكان لعبد الله ابن أبي رأس النفاق ست جوار، وسماهن، يكرههن على البغاء، وضرب عليهن ضرائب فشكت ثنتان منهن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فنزلت. ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة وفي الحديث ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي، فإن قلت لم أقحم إن أردن تحصنا؟ قلت لأن الاكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن وآمر الطيعة المؤاتية للبغاء لا يسمى مكرها ولا أمره إكراها.