وجرى ذلك بناء على ظاهر حال بعض الجهال أنهم يظنون أنهم الرازقون بل يظهرون ذلك ويمنون على هؤلاء ويقولون لو لم نكن لما قدرتم على المعيشة ففيه تقريع لهم، ودليل على بطلان ذلك وعدم المنة في ذلك كله إلا لله، وإشارة إلى أنه لا معنى للمنة ولا لتوقع المكافاة والاحسان في مقابل ذلك فإن كل ذلك رزق الله، وإليه أشار في بعض الأخبار عن بعضهم عليهم السلام قال لبعض أصحابه لما ذكر أنه يدخل عليه الضيفان والأخوان ويطعمهم: أن المنة لهم عليك قال كيف ذلك؟ وأنا أطعمهم من مالي، ولهم المنة علي؟ قال عليه السلام: نعم لأنهم يأكلون رزق الله الذي رزقهم، ويحصلون لك الثواب والأجر (1) ويحتمل أن يكون ردا على المرزوقين أيضا فإنهم قد يظنون أنهم يرزقونهم.
ثم اعلم أن في جعل " لكم " مفعولا به لجعلنا تأملا وأيضا " من لستم " داخل في " لكم " إلا أن يخصص بغير من يظن أنه يرزقه أحد، أو يظن أحد أنه يرزقه، أو يعمم فيكون الذكر بالخصوص للإشارة إلى رد الوهم المتقدم ولادخال الدواب فتأمل، فيحتمل أن يكون معطوفا على معايش، وفيه أيضا التأمل الثاني من غير جريان النكتة، إلا أن يكون بالنسبة إلى بعض من فيهم مثل الأولاد، ولا ينظر إلى حيثية الاستعانة بهم في المعيشة فتأمل، وفيه تغليب ذوي العقول على غيرهم على تقدير اختصاص " من " بهم كما هو المشهور، فقول الزجاج: أجود الأقوال العطف على معايش، محل التأمل.
ويحتمل العطف على الضمير المجرور في " لكم " ولم يثبت امتناع العطف على من غير إعادة الجار وقد جوزه الفراء وأنشد شعرا في ذلك نقله في مجمع البيان وجوزه الكوفيون في حال السعة للأشعار المنقولة في الكشاف والرضي وقيل بذلك في قوله تعالى " وكفر به والمسجد الحرام " (2) " وتساءلون به والأرحام " (3) بالجر في قراءة حمزة، ولا دليل على عدمه عقلا ولا نقلا حتى يضعف قراءة حمزة