" وجادلهم بالتي هي أحسن " هذه تدل على جواز البحث والجدل في العلم بطريق ظاهر حسن، وتحريمه وعدم جوازه لا على ذلك الوجه المرضي الحسن، فهي مخصصة لما دل على النهي عن ذلك وتحريمه، مثل لا تمار فإن المؤمن لا يماري، و هو ظاهر.
" وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه (1) " في الكشاف كان من الجن كلام مستأنف جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين، كأن قائلا قال: ما له لم يسجد؟ فقال كان من الجن ففسق عن أمر ربه، والفاء للتسبيب أيضا: جعل كونه من الجن سببا في فسقه يعني أنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم، لم يفسق عن أمر الله [كسائر الملائكة] لأن الملائكة معصومون البتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس، كما قال:
" لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (2) " ومعنى فسق عن أمر ربه خرج عما أمره به من السجود وقال أو صار كافرا بسبب أمر ربه الذي هو قوله سبحانه " اسجدوا لآدم " هذا مبني على مذهب المعتزلة أن كل ذنب كفر فالظاهر أن معنى الآية ففسق بسبب ترك أمر ربه فترك أمر ربه ففسق وهو ذنب وخروج عن الطاعة، موجب للعقاب.
ففيها دلالة على كون الأمر للوجوب كما في قوله تعالى في الأعراف: " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك (3) " الآية، حيث وبخ على ترك السجود والمأمور به بمجرد ترك الأمر، وهو أحسن مما استدلوا به وهو ظاهر.
بقي هنا سؤال هو أن ظاهر الآية كون إبليس غير ملك، وقد صرح في تفسيره به، ولم يكن داخلا في المأمورين بالسجود فلا يحسن الاستثناء ولا معنى للذنب و التوبيخ فيمكن أن يقال إنه ما كان داخلا فيهم، وإنما عبر بالملائكة تغليبا أو كان ملكا ولكن لما كان شأن الملك أن لا يعصي ربه وقد عصى ربه فكأنه ليس بملك