وحينئذ لا تدل على وجوبهما أصالة وقبل الشروع.
والعجب من صاحب الكشاف (1) أنه فسر أتموا الحج والعمرة لله بأتوا بهما تأمين كاملين بمناسكهما وشرائطهما لوجه الله من غير توان ولا نقصان، وسلم أن الأمر باتمامهما أمر بأدائهما بدليل قراءة من قرأ " وأقيموا " مع أنها غير ظاهرة في ذلك والقراءة غير ثابتة، وسلم أيضا أن الأمر للوجوب، وقال أيضا في آية الوضوء تفسير لفظ واحد بمعنى الوجوب والندب مثل فاغسلوا إلغاز وتعمية، فلا يجوز وقال: فإن قلت: فهل فيه دليل على وجوب العمرة؟ قلت: ما هو إلا أمر باتمامهما ولا دليل في ذلك على كونهما واجبين أو تطوعين فقد يؤمر باتمام الواجب والتطوع جميعا إلا أن نقول الأمر باتمامهما أمر بأدائهما، بدليل قراءة من قرأ " وأقيموا الحج والعمرة " والأمر للوجوب في أصله إلا أن يدل دليل على خلاف الوجوب كما دل في قوله تعالى " فاصطادوا " " فانتشروا " ونحو ذلك فيقال لك: فقد دل الدليل على نفي الوجوب وهو ما روي أنه قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله العمرة واجبة مثل الحج؟ قال:
لا، ولكن أن تعتمر خير لك، وعنه صلى الله عليه وآله الحج جهاد والعمرة تطوع وقال والدليل الذي ذكرنا أخرج العمرة من صفة الوجوب فبقي الحج وحده فيها، فهما بمنزلة قولك: صم شهر رمضان وستة من شوال فإنك تأمره بفرض وتطوع.
وأجاب عن معارضتهما بقول ابن عباس إن العمرة لقرينة الحج بأن معناه إن القارن يقرن بينهما، أو أنهما تقترنان في الذكر فيقال حج فلان واعتمر، وعن المعارضة بقول عمر لرجل قال: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي أهللت بهما جميعا: " هديت لسنة نبيك " بأن الرجل فسر كونهما مكتوبين بقوله أهللت لأنه ارتكب تفسير الآية أولا بغير الظاهر، مع كونه خلاف الخبر الذي نقله.
ومنع حمل اللفظ على الوجوب والندب، معا، وقال إنه إلغاز وتعمية، و ارتكبه هنا مع إمكان حملها على ما لا ينافي بل هو الظاهر كما مر، فإن ظاهرها الأمر بالاتمام بعد الشروع وأشار إليه بقوله: " ما هو إلا أمر باتمامهما " ولا شك