يحتاج إلى التأويل في ضمير " فيه " إذ الظاهر إرجاعه إلى بكة لأن المقام ليس في البيت، والظاهر أنه بيان للآيات الواقعة في بكة كما قيل، فالظاهر رجوعهما إليهما وإرادة معناهما وإرادة الحرم منهما بعيدة لا يفهم، والمعدة هي الأخبار في هذه المسألة مع فتوى الأصحاب، وإلا فالآية ليست بصريحة بل ولا ظاهرة فإن ظاهرها أنها خبر بكونه مأمنا، وجعله بمعنى الأمر يعني وليكن مأمونا من دخله أي لا تتعرضوا له بعيد، مع أنه قيل معناها أن من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله تعالى عليه كان آمنا يوم القيامة من العقاب الدائم، ويؤيده ما روي في الكافي في الحسن لإبراهيم عن عبد الله بن سنان [عن أبي عبد الله عليه السلام] قال سألته عن قول الله عز وجل " ومن دخله كان آمنا " البيت عنى أو الحرم؟ قال: من دخل الحرم من الناس مستجيرا فهو آمن من سخط الله تعالى، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى، حتى يخرج من الحرم (1) وهذه تشعر بكون الحكم في الحرم، وفيها إيماء إلى عدم رجوعه إليه، بل إلى البيت حيثما صرح بالمعنى في الآية بل ذكر الحكم، فتأمل.
وقيل أيضا إنه إشارة إلى استجابة دعاء إبراهيم عليه السلام " رب اجعل هذا بلدا آمنا " (2) ويحتمل أن يكون المراد أمنه من التخريب وغيره من الآفات، ونقل في مجمع البيان أنه روي عن ابن عباس أن الحرم كله مقام إبراهيم ومن دخل مقام إبراهيم يعني الحرم كان آمنا، فالضمير حينئذ راجع إلى مقام إبراهيم، وذلك قريب، ولكن إرادة الحرم هنا من مقام إبراهيم بعيد. أو راجع إلى بكة، وأريد منه الحرم. والإرادة لا يخلو عن بعد بأن يراد من بكة الحرم بإطلاق اسم الجزء على الكل، أو لوجود معنى البك في الحرم أيضا في الجملة فتأمل.
واعلم أن في هذا الحكم ودليله دلالة ما على وجوب الاجتناب عن الفاسق فافهم وأن الظاهر عدم تعديته إلى من استدان خارج الحرم مع الوجدان والقدرة